ماذا فعلت B-52.. بنا؟

TT

قبل 47 عاما أنتجت مصانع الولايات المتحدة الأمريكية طائرة شحن عملاقة اطلق عليها B-52 ثم رأت حكومة تلك البلاد والادارة العسكرية فيها بعد ذلك، ان يتم تحويل الطائرة من استخدام مدني ولوجستي الى استخدام عسكري، كان المخطط العسكري يعتقد ان هذه الطائرة باستطاعتها ان تكون منصة طائرة لاطلاق الصواريخ العابرة للقارات والتي تحمل الرؤوس النووية التكتيكية.. هذا في اوقات الحروب غير التقليدية، اما في الحروب التقليدية فإن باستطاعة هذه الطائرة بعد اعداد معين ان تجعل من اراضي العدو المستهدفة سجادة من النيران بحيث يتم تدمير الاهداف المنتقاة بشكل تام وابادي.

استخدمت هذه الطائرة على نطاق واسع في الحرب الكورية وفي حرب فيتنام وفي حرب الخليج الثانية، والآن تستخدم في افغانستان على نطاق واسع، واذا كان العالم يؤرخ الى حدث معين فيقول ما قبل الحدث الفلاني وما بعده، فإننا نعيش الآن زمناً يقال فيه ازمان ما قبل الحادي عشر من سبتمبر وزمن ما بعد هذا التاريخ، وأكثر رمز لزمن ما بعد تاريخ 11 سبتمبر، هو النسر العملاق ذو الحركة الدؤوب ـ عبر المحيط الهندي ـ بين قواعد B-52 في احدى الجزر هناك، وبين قفار وجبال افغانستان.

وعندما تتحرك هذه الطائرة بعد تلقي اوامر نفض سجادة ارض الاعداء، فإن ذلك معناه ان امريكا تريد ان تدمر عدوها المستهدف وتريد كذلك ان تظهر من بين الركام الذي خلفته قنابل هذه الطائرة او من تحت تراب الاراضي التي استهدفتها (مكنسة) الصواريخ والقنابل.. حقائق ومستجدات، فبعد ان ينجلي غبار المعارك ويهدأ القصف ويموت من يموت ويفر من يفر ويستسلم من يستسلم يعلم الناس عن حقائق خفية ابانتها هذه الطائرة العملاقة وهي تقذف بالقنابل والصواريخ التي في جوفها! هذه الايام وبعد ان قاربت المعركة مع اعداء الـ B-52 في افغانستان النهاية، ظهرت امامنا حقائق عدة منها ما يهمنا ومنها ما يهم اطرافا اخرى. ومن الحقائق التي تهمنا ولاحظناها مكتوبة بوضوح على سجادة الاراضي الافغانية بعد نفضها من علو شاهق: اننا شرعنا باعادة ترتيب عالمنا العربي من جديد: فالبعض بدأ يدقق في حسابات الافراد الذين تحوم حولهم الشبهات منذ زمن طويل لكننا كنا نغض الابصار عن اعمالهم تطبيقا لمبدأ حرية العمل والفعل الاقتصادي والبعض الآخر دفعه النسر الطائر لأن يقوم بفحص جديد للشركات التي كان شعار تعاملنا معها: دعها تعمل.. دعها تمر، فإذا هي شركات غامضة يحوم حول نشاطاتها ألف سؤال وسؤال. لقد نبهتنا B-52 الى ان هيئات الاغاثة التي انشئت لتكون جسرا بين محبي الخير في بلادنا وبين العالم، هذه الهيئات قد حاد (بعضها) عن الجسر المتفق على عبوره لتخط لنفسها طرقا وعرة تلتف بين الجبال وعبر الصحراء ومن خلال مداخل ومخارج (الكهوف) لينتهي الامر باصحاب هذه الحملات الغامضة ومرشديها لان يكونوا عونا من حيث يقصدون او لا يقصدون لخوارج هذا العصر.

* شبابنا والاستخدام المزدوج

* لقد ذكرتنا الـ B-52 ان طيبتنا المالية والاغاثية التي تصل الى حد السذاجة قد عادت علينا بالخسران والبوار والاستعداء من العالم الآخر، لقد قالت لنا هذه الطائرات وهي تمر في سمائنا قادمة للقصف من قواعدها الاخرى في شرق بلادها: ان ابناءكم الذين سيقصفون بصواريخ وقنابل هذه الطائرات بعد قليل، قد غرر بهم وان وزرهم يقع على اصحاب حملات التحريض والتضليل، والتي كان ضحاياها شبابنا المليء بالحماسة الممزوجة بالفقه الضعيف، هؤلاء الشباب كانوا ولا يزالون وسيظلون وقودا وأتونا للحروب وللاستخدام المزدوج، ولكلمات الحق والتي يراد منها الباطل والتخريب، وان الوقت حان لانقاذ العقول والارواح الطاهرة الاخرى المنتظرة وان التسويف والاهمال سيقودان تلك العقول والارواح الى الجانب الآخر المعاكس من مفردة الطهر.

تستطيع اجهزة الرصد الحساسة في هذه الطائرات ان ترصد احاديث تدور على ارضنا مرددة قول الله تعالى: «وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين. انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون» (سورة الحجرات الآية 9:10).

وسيقول المرددون لهذه الآيات الكريمة وهم يحاولون دفع (الآن) حكوماتهم الى احتضان الافغان العرب (الابرياء!!) مرة اخرى: ان من عفا واصلح فأجره على الله. هؤلاء انفسهم كانت طائرات اخرى مخصصة للرصد تنقل عنهم بعد تاريخ 11 سبتمبر مباشرة ترديدهم لآيات اخرى كريمة وهم يدفعون شبابنا الى الموت والفناء في قندهار وتورا بورا وقندوز.. كان هؤلاء المحرضون يرددون بلا فقه على اسماع شبابنا الآية: «الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز» (سورة الحج الآية 40).

ثم يبشر مثيرو الفتنة هؤلاء الشباب المخدوعين، بأنهم ينطبق عليهم (فقط) كلام المقتدر المتعال في سورة الحج: «الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور» (سورة الحج الآية 41).

ستذكرنا الطائرات العملاقة بأن استخدام الكتاب الكريم في الامور السياسية وفي الاغراض الشخصية وفي زعزعة استقرار الأمم وهو مبدأ اختطه كثيرون من (ابن الاشتر) في ايام الفتنة الكبرى وحتى عصر (الابوات وبني لكن) في عصرنا الحاضر.

سيخرج من العصارة الهضمية لهذه الطائرات وهي تفجر وتهدم كل شيء تحتها اشرطة فيديو تظهر لنا تفكه المخططين (لفتنة القرن) بما آلت اليه حال ابنية ديار الكفر وبغفلة الخاطفين الانتحاريين الذين لم يعرفوا مصيرهم الا قبل اقلاع الطائرات بقليل!! ستظهر هذه الاشرطة التي ظهرت كنتيجة للقصف، كيف اننا امة حاذقة بالغة الذكاء والفطنة عندما نخطط للتدمير والتخريب ولاحداث الاسوأ، مخالفين في هذا ما يعتقده الآخرون من قزمية العقل العربي والاسلامي في صنع شيء مبهر!! ستظهر هذه الاشرطة كيف ان اساتذة في الجامعات قد أتوا الى زعيم القاعدة مهنئين فخورين بما قام به، وانهم يحملون لصاحب (الصولة الجهادية) تحيات وادعية ومباركة من خلفوهم بعدهم على المنابر او في قاعات الدرس، ستظهر هذه الاشرطة التي كانت احدى فوائد الطائرات العملاقة ان كلمات سبحان الله ولا اله الا الله والحمد لله والله اكبر التي ـ كنا ـ نستعملها في مساجدنا في التسبيح والتهليل ونحن مكللون بالطمأنينة والسلام والاستبشار، يتم استخدامها في اثناء حديث المخربين واهل الفتنة عن (بطولاتهم!!) المقدمة للعالم ـ كذبا ـ كنموذج لسلوك المسلمين، المتسائلين دائما: لماذا يرتاب بنا العالم؟

سيكون للنسر العملاق اليد الطولى للكشف عن (قواعد) فكرية اخرى غير (قاعدة) افغانستان.. ليست بالضرورة لها نفس التوجه والاساليب، ولكن الهدف (الاخير) واحد!! فهذا يدعو (لتغريب) التوجه والآليات والنظم والممارسات. وذاك يدعو الى عدم (مجرد) التفكير في تنقيح المناهج وطرق التعليم والتلقين، القديمة التي كان من ثمارها احداث تاريخ 11 سبتمبر وما قبل ذلك وما سيكون بعده، وحجتهم في هذا: ان شرعية البلاد الراغبة في الاصلاح في (خطر) ان هي شرعت بتناول الدواء الضروري لمعالجة مرض عضال طال تمكنه في عقول افراد الامة قبل اجسادها. متناسين ان اول من شكك في شرعية من (يخافون) عليهم الآن، هم الصارخون المنادون بالويل والثبور وعظائم الامور، والذين ساندوا قولا وفعلا، ظاهرا وباطنا، ساكني كهوف اواسط آسيا..!! الطائرة العملاقة في غدوها ورواحها جعلتنا في وضعية افضل للقراءة وللاطلاع على مقولات كثيرة.. اغلبها غث فاقد لبوصلة التفكير، فمن قائل ان (افغاننا) قد هاجروا الى هجرتهم في عملية احتجاجية على بطء عمليات الاصلاح والانفتاح او لمجرد عدم الاستماع لوجهة نظرهم. وفاتهم ـ وان كنت اشك في هذا ـ معرفة ان (افغاننا) اكثر الناس كرها وبغضا لمصطلحات مثل: الاصلاح والانفتاح والسماع لوجهات النظر الاخرى..!! تذكرنا B-52 بأن اخطاء نفر من امتنا، كانت قاتلة مما جعل الظهور والنحور مكشوفة للسهام وللسياط، ومما ترك الفرصة لهذا النسر وما يرمز له للتدخل في ادق شؤوننا، بل ولترتيب سلم اولوياتنا.

B-52 جعلتنا نعلم ان صراخ المظاهرات في هذا البلد او ذاك لم ولن يؤخر المصير المحتوم لمن ناصروهم بحناجرهم وبمقالتهم التي تبتدئ بنعم وتنتهي بلكن، وبشبابهم الذين تأكل اجسادهم الآن هوام صحراء سجستان. والنسر العملاق يقول لنا ان هذه المعلومة قابلة للتكرار كلما رفع معتوه رايته هنا او هناك، وكلما تبع هذا الاشهار مؤيدون وآملون..

نافضة السجاد تقول لنا: ان تحذيراتنا السابقة لها ان تتوقف عن زياراتها الهادرة في (رمضان) كان جهلا عظيما بالحقائق التي على الارض وبمستجدات عالم ما بعد 11 سبتمبر. رمضان B-52 كان فاتحة خير على تلك الآلة الطائرة وعلى الجبهات (الافغانية) المنتظرة على الارض والمساندة لها ولنتائج اعمالها.

كل ذلك فعلته بنا B-52 ولكن ما لم تستطع ولن تستطيع هي وغيرها من الطائرات القاذفة والاعتراضية وطائرات التنصت فعله، وهو جعلنا اكثر حذرا لما يدور حولنا، وتعقلا لمقدار امكانياتنا قياسا بامكانيات الغير، واكثر صدقا مع انفسنا ومع الآخرين عندما نقول ان ديننا دين السلام والتعايش والحضارة في نفس الوقت الذي تهزأ تصرفات (بعض) اهلنا بكل ما نقوله للعالم. ما لم تستطع B-52 فعله هو ان نتفهم فقه الواقع.. واقع ـ ما بعد ـ احلام ورؤى امير المؤمنين وفسطاط ووعيد ابي عبد الله..

ما الدليل على اننا لم ولن نتعلم من كل هذا؟

الدليل: هو ما سنشاهده (قريبا) من صرخات جديدة ودماء غزيرة (بفضل) شكل مستجد من اشكال تغييب العقول التي نادرا.. ما تفيق.