ما أظن أن تبيد أميركا أبدا!

TT

حين زرت اميركا قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) بحوالي شهر، انتهزت فرصة الخمس ساعات، وهي زمن الرحلة بين واشنطن ولوس انجليس، في الحديث مع رجل أعمال اميركي مثقف، وقد دار حوار ساخن وصريح حول عدد من القضايا الحية، سياسية واجتماعية ودينية. وقد لفت انتباهي شعور العظمة والكبرياء الذي ملأ جوانح هذا الأميركي والذي أخاله يمثل اعداداً غير قليلة من الأميركيين. قلت له: قد تكون أميركا تمر الآن بذروة تفوقها الحضاري، ولكن حقائق التاريخ وسنن الكون تؤكد انه مهما طال الزمن بالبشر او بالدول او بالحضارات، فان مآلها الى نهاية. وضربت له امثلة بالدول والحضارات التي سادت ثم بادت كالدولة الفرعونية والرومانية والاغريقية والاسلامية.. وما الامبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس عنا ببعيد.. وعاجلني بالرد بكبرياء بأن اميركا بالذات عصية على قانون التغيير ولا تسري عليها سنن الكون، فالزمن غير الزمن والبشر غير البشر.. ولا بد لأميركا ان تبقى الى الأبد!! بل ولا غنى لشعوب الدنيا عن اميركا.. والسلام على كوكب الأرض مرتبط برفاء اميركا وبقائها ونمائها. «ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن ان تبيد هذه ابداً».

ان شعور العظمة يعمي ويصم، وهذا في تقديري ازمة اميركية أخطر من ازمة ركودها الاقتصادي او حتى حربها الملتهبة مع الارهاب بالمقاييس الأميركية، لقد بدت اعراض هذه الأزمة ـ أعني شعور العظمة وازدراء الآخر ـ تبدو بشكل اكبر وأوضح بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر.

ان اميركا لم تحسن التعامل مع السؤال الكبير: لماذا اميركا ـ وليس غيرها ـ صارت هدفاً لهذه الهجمات الشرسة؟ ولماذا اميركا واميركا فحسب تمر بأزمة ثقة وكراهية مع كثير من شعوب الأرض على اختلاف مشاربها وأديانها وأعراقها؟

نقلت هذين السؤالين الى صحافي اميركي بارز فلم يزد ان رد: انه حسد من عند انفسكم. ان المرء ليعجب كيف (رسبت) اميركا في اجابة سؤال لا يحتمل كبير عناء في التفكير ولا التقدير؟! قلت لهذا الاعلامي (الراسب) في اجابة السؤال: لا يمكن ان نتصور ان الباعث على توجيه هذه الضربات الموجعة الى اميركا ـ على فرض انهم مسلمون ـ هو حقد ديني او لأن اميركا تدين بالنصرانية!! ولو كان ذلك كذلك لكانت هناك دول نصرانية أخرى يمكن ان يستهدفها أي احد ـ بالقتل والتدمير ـ وبأعداد اكبر وخسائر اضخم وبمجهود أقل وتكلفة أرخص.. فلماذا اميركا وهي الأدق والأشد في اجراءات أمنها، والأعنف في أسلوب ردها؟

لم نسمع بأية حالة عداء او حقد ضد دولة نصرانية لأنها نصرانية.. فهذه المجر وفنلندا وايسلندا وتشيلي ولاتفيا وفنزويلا ـ على سبيل المثال ـ دول نصرانية لكنها سالمت فسلمت من حقد الناس وشنآنهم، بل وأذاهم. ولو كان الباعث دينياً لكانت اميركا (الكتابية) ـ التي ينكح المسلمون ما طالب لهم من نسائهم ويأكلون من الأنعام التي تذبحها أيديهم ـ أقرب الى المسلمين من دول ملحدة او وثنية؟ هل سمع أحد بمسلم متطرفاً كان أم وسطياً يحمل حقداً او حسداً ضد اليابان او فيتنام او احدى الكوريتين؟

ناهيك من الافساد واهلاك الحرث والنسل وتدمير العمارات الشاهقة؟ قال لي الصحافي الأميركي ـ مثل أخيه رجل الأعمال: لعل الأمر لا يعدو ان يكون حقداً بسبب تفوق اميركا وحضارتها. قلت: ولماذا لم يحقد المسلمون على اليابان وهي التي تتفوق على اميركا في بعض جوانب الحضارة والتقنية؟ ولماذا لم يحقد المسلمون على سويسرا بسبب دقتهم في صناعة الساعات وصنعة البنوك وجلب رؤوس الأموال؟ وعلى ألمانيا بسبب براعتهم في تقنية السيارات؟ وعلى اسبانيا بسبب جودة المصنوعات؟

الظلم والطغيان والجبروت صفات لا يطيقها الانسان لو صدرت من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.. فكيف اذا صدرت من دولة عظمى وقوة كبرى؟ الظلم مرتعه وخيم.