الطريق من كابول إلى بغداد .. تمر عبر رام الله

TT

عندما كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية مشتعلة على أشدها في بداية الثمانينات، زارني السفير السوري في طهران آنذاك، ويومها كان المرحوم اللواء ابراهيم يونس، وضمن ما قاله لي في إطار المشاورات المستمرة بيني وبينه حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه الحرب بين البلدين الجارين هو: «إن عقيدتي العسكرية العملانية علمتني (واللّه أعلم) بأن الحروب الخارجية التي تطرأ على البلدان ليس فقط لا تضعف القيادة العليا الحاكمة بل وتقويها وتصقلها أكثر فأكثر»، وبالتالي، اضاف اللواء إبراهيم يونس رحمه اللّه ممازحاً: «اعتقد أنكم سيأتي يوم تشكرون فيه لصدام حسين أنه كان سبباً رئيسياً في صقل النظام الإسلامي الفتي والطري العود في طهران، بل ان البعض منكم ربما صنع له تمثالاً! وسط العاصمة تقديراً لدوره في شحذ الهمم الوطنية والدينية والثورة في بدايتها لتنشغل بالدفاع عنها بدلاً من الانشغال بأوضاعها الداخلية..». ثم ضحك ضحكة معبّرة واضاف: «اما حكاية اسقاط الرئيس العراقي صدام حسين فأرجو أن تنسوها ولا تعولوا عليها كثيراً، لأن حياة الزعماء في بلادنا بيد الدول الكبرى وليست بيد الله (استغفر الله ـ قالها السفير السوري معتذراً عن المجاز المستخدم في العبارة) فهي القابضة لأرواحهم متى أرادت! وليس الوقت الآن لإنهاء صدام حسين ولا نظامه كما أظن واعتقد، وكما علمتني أيضاً عقيدتي وخبرتي العسكرية المتواضعة واللّه أعلم..».

والمرحوم اللواء إبراهيم يونس كان من قادة حرب تشرين ـ رمضان المبارك ومن «الفريسين» في رؤيته الثابتة وقراءاته البعيدة المدى لأوضاع المنطقة ومستقبل الحرب والسلام فيها.

استحضرتني حكاية السفير السوري الأسبق في طهران هذه الأيام وأنا أقرأ مقالة واقعية ميدانية للزميل والصديق التركي والصحفي الكبير جنكيز جندر في صحيفة بني شفق تحت عنوان «الطريق باتت معبدة بين كابول وبغداد»، حيث يشرح فيها الكاتب التركي بصورة معلومات تحليلية موثقة كيف أن الطريق للخطوة الأمريكية الثانية في «حرب مكافحة الإرهاب» باتت مهيأة للهجوم على العراق، وأنه لم يبق سوى «تعيين الزمن المناسب».

عندما قرر الأمريكيون القضاء على حركة طالبان وتصفية نظامهم الحاكم في كابول بعد حوادث 11 سبتمبر، كان عليهم أن يبدأوا أول ما يبدأوا بتضييق الخناق على نظام الجنرال مشرف في إسلام اباد ليوصلوه إلى حافة الهاوية حتى يوافق على التخلي عن نظام الطالبان في كابول بشكل نهائي قبل أن يبدأوا بمفاوضة موسكو وطهران على شكل الحكم المستقبلي في العاصمة الافغانية بعد طالبان.

الوضع في المنطقة العربية يختلف في التفاصيل عن الوضع في شبه القارة الهندية وغرب آسيا. وبالتالي فإن حل معادلة الملف العراقي تختلف في التفاصيل عن حل معادلة الملف الافغاني، وان اتفقت الحالة في الجوهر وفي الاهداف العامة.

ثمة من يعتقد الآن أن التصعيد الحاصل في فلسطين على يد الحليف الاستراتيجي لواشنطن اي القيادة الإسرائيلية في تل ابيب انما هدفه النهائي هو العراق وليس تحقيق أمر ما في فلسطين نفسها، وذلك لأن اكثر القضايا التي يرفع لواءها! ويلعب بها على أعصاب واشنطن وحلفائها في سياسته الخارجية، وأيضا يستفيد منها أقصى الاستفادة في تعبئة وضعه الداخلي، نظام الرئيس صدام حسين هي القضية الفلسطينية! من هنا ثمة من يعتقد أن الإدارة الأمريكية التي أبدت تحمساً غير عادي وغير مسبوق لحل ما للقضية الفلسطينية، بل وأبدت انعطافاً غير مسبوق أيضاً تجاه الحل المقترح دولياً بخصوص الدولة الفلسطينية، إنما كانت ولا تزال تبذل كل هذا الجهد الديبلوماسي لأجل الإعداد لمرحلة ما بعد الطالبان وليس لأجل حل جذري ونهائي للقضية الفلسطينية، كما كان يعد له الأوروبيون.

من هنا فإن واشنطن عندما أرسلت الجنرال زيني إلى المنطقة إنما أرسلته منذ البداية وعينها على العراق وليس على فلسطين. وهي عندما «تبلع» كل سياسات شارون التصعيدية الحارقة لكل أنواع الحلول السياسية إنما تستثمر ذلك من أجل اللحظة المناسبة لبيع حكومة شارون بحكومة الرئيس العراقي في بغداد.

وهنا أيضا ثمة من يقول بأن الأمريكيين ربما كانوا يفاوضون الرئيس الفلسطيني (نيابة عن العرب والجامعة العربية) على رأس الرئيس العراقي صدام حسين قبل أن يقدموا له الدولة الفلسطينية الموعودة على صينية عراقية من (تنك) أي من صفيح! واللّه أعلم.

الذين يقولون بهذا، يعتقدون أنه من غير الممكن لأمريكا ولا للأوروبيين أن يستمروا أكثر من هذا في دعم حكومة شارون الإرهابية بكل المعايير الغربية، وليس فقط بمعاييرنا العربية والإسلامية. ويعتقدون أن من وراء الأكمة ما وراءها.

وقد يكون السر الأكبر في محيط الكيلومتر الوحيد ربما الذي لا يزال تحت سيطرة الرئيس الفلسطيني في رام الله، حيث يعيش أبو عمار في جمهوريته المحاصرة هناك أشبه بأوضاع جمهورية الفاكهاني البيروتية في أوائل الثمانينات.

على أي حال فإن زمان رحيل الرئيس العراقي صدام حسين قد حان على ما يبدو، ولو من جانب الدول العظمى على الأقل (ورحم اللّه السفير السوري الأسبق في طهران اللواء إبراهيم يونس) باعتبار أن الخطوة الثانية بعد الطالبان كما هو مخطط لها في واشنطن ينبغي أن تكون على الساحة العراقية. ولكن هل حان زمان رحيل الجزار شارون أيضاً؟! ثمة صحفي خبيث يقول: ربما تغفر هذه النهاية المزدوجة لصدام حسين وشارون كثيراً من ذنوب الرئيس العراقي التي لا تغفر! واللّه أعلم.