الوضع الداخلي الفلسطيني بعد خطاب عرفات

TT

مع خطاب ياسر عرفات المتلفز في اليوم الأول من عيد الفطر 16/12/2001 وهو الخطاب الذي اثار مجموعة من الاشكاليات الداخلية الفلسطينية باعتباره خطاباً سياسياً تم تحت فعل عوامل الضغط الإسرائيلية الأمريكية وحتى الأوروبية على رئيس السلطة الفلسطينية، انتهت الجولة الأولى من المعركة التي خاضها شارون ضد المؤسسات الوطنية الفلسطينية، ووصول الكرة المتدحرجة التي اطلقها نحو نقطة حرجة في صراعه مع الشعب الفلسطيني ومؤسساته التمثيلية وكل قواه الوطنية.

ومع انتهاء الجولة الأولى من الحرب الشارونية الواسعة التي اتخذت طابعاً دموياً رهيباً أصاب الجميع من أبناء فلسطين، بدأ العد الثاني لحساب بيدر وحصاد هذه الجولة على المستوى السياسي، انطلاقاً من قناعة الطرف الاسرائيلي بأن الجانب الفلسطيني قد وصل الى لحظة قاسية من الانهاك على الأرض، ومن الحصار السياسي الذي تعرض له بعد انتكاس الموقف الأوروبي ودعوة دول الاتحاد ياسر عرفات لتفكيك حركتي حماس والجهاد الاسلامي باعتبارهما قوى «ارهابية»، فضلاً عن الدعوة لوقف الانتفاضة.

والحصاد الذي يطالب به شارون ليس أقله من ابتزاز جديد، وتوجيه المزيد من المطالب المتتالية لإحكام الخناق على الوضع الفلسطيني الداخلي ودفع الجميع من سلطة ومعارضة الى أتون حرب اهلية داخلية لن تكون نتائجها سوى وبال كبير على كل الشعب الفلسطيني ومجمل حركته الوطنية.

والمحصلة التي يريدها شارون واجهزة الأمن الاسرائيلية تقع تحت عناوين ثلاثة:

* اعادة قولبة هياكل ومؤسسات السلطة، خاصة الأمنية منها، ووضع كل الأراضي الفلسطينية في المنطقة (أ) تحت السيطرة الأمنية والسياسية وفق قواعد التنسيق المشترك بين الطرفين، وهو التنسيق القائم تحت ضغط الإملاءات.

* نسف التعددية في الحالة الفلسطينية، وابقاء كل الأصوات وعلى أي من المستويات التنظيمية أو الفصائلية أو حتى المؤسساتية الأهلية تحت عباءة لون واحد هو لون سلطة مندمجة ومتساوقة مع مشروع التسوية النهائية بصيغته الشارونية ـ الليكودية، وهو أمر لا يستطيع اي طرف فلسطيني ان يقبل به أو ان يبتلعه.

* اعادة اعطاء اتفاق اوسلو واشتقاقاته للمرحلة الانتقالية تفسيرات جديدة، ومنع اي تطوير أو انتقال ايجابي لصالح الطرف الفلسطيني. فشارون لا يريد انهاء وشطب اوسلو ومستنسخاته بقدر ما يريد اعادة طرح واعطاء مفهوم جديد يكبل السلطة الفلسطينية امام حقائق القوة الاسرائيلية، ويضعها في موقع التعارض مع كل القوى ومجمل الخارطة السياسية الفلسطينية، حتى داخل حركة فتح ذاتها من خلال ادراج اسم قوات الحرس الخاص (قوات الـ 17) وقوات التنظيم (فتح) تحت قوائم الارهاب.

ومع المرونة الشديدة التي زادت عن حد معين في خطاب رئيس السلطة الفلسطينية، والمتاعب التي جاء بها نتيجة الموقف الناقد لها من قبل العديد من القوى الفلسطينية الا ان الموقف الاسرائيلي الحذر في التعاطي مع مضمونها ما زال يراوح مكانه، بل ويطالب السلطة بالمزيد من الاجراءات المادية على الأرض ضد قوى المعارضة وضد تنظيم حركة فتح.

ويقيناً أن رئيس السلطة الفلسطينية في موقف صعب لا يحسد عليه، فهو واقع تحت مطرقة الضغوط الاسرائيلية والأمريكية من جانب، وتحت وطأة الموقف الشعبي الفلسطيني الذي ضاق ذرعاً وألما من فاشية شارون، ومن الموقف الأمريكي الذي لم يحرك ساكنا لوقف فعل آلة الدمار الصهيونية الاسرائيلية.

وفي هذا السياق، تقع على عاتق وكاهل الجميع في الساحة الفلسطينية من سلطة ومعارضة على حد سواء ضرورة التعاطي بمزيد من الحكمة وحسن التصرف لاستيعاب الوضع القائم وامتصاص حجم الضغوط الكبيرة الواسعة على الفلسطينيين بشكل عام. والحذر من افخاخ شارون لدفع التناقضات الفلسطينية ـ الفلسطينية الى السطح وتضخيمها.

وأول ما يتوجب فعله يتمثل في:

1 ـ وقف الاعتقالات السياسية الجارية، واحالة أية قضايا تمس الأمن القومي ـ الوطني الفلسطيني الى المؤسسات القضائية، وكف يد الاجهزة الأمنية عن التدخل في القضايا السياسية التي يجري حلها على مستوى آخر من مستويات الوضع الفلسطيني.

2 ـ وقف اغلاق اية مؤسسات فلسطينية ذات طابع خدماتي تقوم بواجباتها الصحية والتعليمية والاجتماعية لصالح المجتمع الفلسطيني.

3 ـ اعادة التقييم لأساليب العمل المقاوم، واشتقاق الانماط التي تجنب الشعب الفلسطيني اية خسائر سياسية على المستوى الدولي. فحساب الربح والخسارة مسألة مطلوبة وضرورية في اللحظة الراهنة.

* كاتب فلسطيني