في مثل هذا الوقت..

TT

يأتي عام ويذهب عام والعالم ما يزال على حاله السابق. حروب ومآس في كل مكان، وامراض ومظالم وفقر وبؤس تلف معظم اجزاء هذه المعمورة.

ففي مثل هذا الوقت من كل عام يقف الجميع من زعماء دول وقادة جماعات ومسؤولين حكوميين متأملين حالة العالم علهم يتمكنون من اصلاح وضعه المتردي، من دون ان يتجسد ذلك خطوات فعلية على الارض لفرض حل حاسم لكل هذه المشاكل الكثيرة التي يعاني منها هذا الكوكب المريض.

ولعل اهم العلل التي يشكو منها هو تردي البيئة وتغير مناخ الارض، والتلوث والامراض والاوبئة التي تعصف به رغم التقدم الطبي والجراحي الذي احرز في السنوات الاخيرة، وظهور الادوية والعقاقير الجديدة المتفوقة ذات التأثير الشديد.

ومع ذلك لا تزال الامراض والاوبئة تشكل العائق الاكبر بالنسبة الى تطور البشرية، لا سيما بالنسبة الى البلدان الفقيرة التي هي الاكثرية على هذه الارض.

فالاكيد ان الفقر والمرض يسيران يدا بيد والدليل على ذلك هو افريقيا واميركا اللاتينية وبعض الاقطار الاسيوية، وهما ـ أي المرض والفقر ـ لا ينهشان المجتمعات فحسب، بل يسرقان منها ايضا كل معاني الامل والرجاء ليولد مكانهما اليأس والقنوط اللذان يغذيان بدورهما البغض والحقد، وهما الخطوة الاولى لبذر بذور الارهاب الذي نتحدث عنه اليوم.

وربما هذا هو السبب الذي دفع بطوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الى الحديث اخيرا عن ضرورة اطلاق نظام اخلاقي جديد يمكنه ان يبرز كشهادة للنيات الحسنة ولخير العالم كله، وليس كجزء منه فقط.

ان اولى الخطوات في هذا السبيل هي التزام الدول الصناعية والغنية بزيادة معوناتها المالية لمحاربة الامراض في الدول الفقيرة والاستثمار في صحة مواطنيها للحيلولة دون وفاة نحو 13 مليوناً من البشر كل عام من الامراض المعدية كالايدز والسل والملاريا وغيرها.

من هذا المنطلق اجتمع في لندن قبل اكثر من اسبوع نحو 18 من أبرز اقتصاديي العالم وخبرائه في الصحة العامة الذين رفعوا تقريرا حول خطة جديدة لتضييق الهوة بين الدول الفقيرة والغنية، وبالتالي تشجيع النمو في الدول الاكثر فقرا. وتشمل اولى الخطط في هذا الشأن تعزيز الصحة العامة لمواطني هذه الدول كخطوة اولى نحو تقويم اقتصادها وتخفيض ديونها الخارجية، أي الاستثمار في صحة افرادها من اجل خير البشرية جمعاء، ومن ثم محاولة التغلب على الفقر المدقع عن طريق تنمية الموارد البشرية ومستواها الاجتماعي، مما يعني زيادة في الانتاجية والمردود العام. وأبرز التقرير حالات صحية قليلة مسؤولة عن نسبة الوفيات الكبيرة في هذه البلدان والتي يمكن تفاديها في النهاية عن طريق اجراءات محددة مدروسة بعناية، لا سيما عن طريق استخدام التقنيات الحديثة والاساليب الطبية والصحية الصحيحة، والعقاقير الجديدة بعد تخفيض اسعارها الباهظة التي من شأنها أن تنقذ حياة 8 ملايين من البشر سنويا، وجني فوائد اقتصادية تزيد عن 360 مليار دولار سنويا ايضا في حلول العام 2015، أو الاعوام الخمسة التي تليه.

يقول التقرير ايضا ان معدل كلفة الرعاية الصحية الاساسية للشخص الواحد في العام الواحد في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل سيبلغ 34 دولاراً فقط في العام 2007 مقابل 2000 دولار للشخص الواحد اليوم في الدول الصناعية، مما يفسر الهوة الكبيرة بين الجانبين وامكانية ضخ بعض المعونات للجانب الفقير بحيث يصبح هناك نوع من التوازن الانساني. وستكون الفوائد التي ستجنى من ذلك عديدة، لان التحرر من الامراض يعني القدرة على الانتاج والمشاركة في بناء عالم افضل من عالم اليوم.