من أحداث الأسبوع

TT

أيام الأعياد وأيام الكرسماس التي مرت في هذا الاسبوع وما قبله حافلة بالألغاز والفوازير واختبارات الذكاء. اليكم هذا السؤال الذي خطر لي هذا اليوم. كيف يبلغ الانسان ذروة الكرم وكيف يبلغ ذروة الخسة؟

لا ترهقوا دماغكم في التفكير، فالتفكير مشقة ومجازفة في عالمنا العربي. اعطيكم الجواب واصونكم من كل ذلك. بلغ ذروة الكرم في الاسبوع الماضي رجل في شمال انكلترا. زيّن بيته بمناسبة الكرسماس بالأنوار والصور الضوئية المتحركة والدمى والعرائس المنارة حتى اصبحت واجهة بيته مزارا للجمهور يقصدونه من أبعد الأماكن ليتفرجوا عليها ويفرجوا اولادهم ومرضاهم والمقعدين منهم في سيل من قوافل السيارات والمشاة. لا بد ان كلفته هذه الزينة مبلغا كبيرا وفاتورات طويلة من شركة الكهرباء. فالتقليد يفترض أن تبقى هذه الزينة لما لا يقل عن 12 يوما 24 ساعة في اليوم. وبالطبع لا يراها الرجل نفسه فهو في داخل البيت. من يراها ويتمتع بها هم جمهور المارة في الشارع. هذه غاية الكرم.

من هو في غاية الخسة؟ انه جاره الذي اتصل بالشرطة واقام دعوى في المحاكم يطالب الرجل بازالة هذه الزينة فورا لأنها، كما ادعى، تسبب ازدحاما في المرور وضوضاء في الشارع. وهي جريمة يعاقب القانون عليها الجاني بالسجن. هذه في رأيي غاية الخسة.

والآن لدي سؤال آخر، ما هي غاية الانسانية والأمر بالمعروف. سمع سكان شارع لور موردن لين القريب من بيتنا في ومبلدن بما سيواجهه ذلك الرجل الكريم من عقبى القانون. فعقدوا العزم على تزيين بيوتهم بنحو مشابه من الدمى والعرائس والألعاب الضوئية والمصابيح الملونة بما جعل الشارع قبلة للمتفرجين وكنت واحدا منهم. بيد ان اصحاب هذه البيوت ربطوا كرمهم الجزيل بلفتة انسانية محمودة. وضعوا صندوقا في الشارع ولوحة تخاطب المارة المتفرجين: اذا كنت قد استمتعت بهذه الزينة فتبرع بشيء ضعه في هذا الصندوق لمساعدة من لا يستطيع ان يأتي ويتفرج عليها. من هم؟ انهم مرضى مستشفى سان رافائيل للعاجزين. من يجرؤ الآن على مقاضاة سكان هذا الشارع لارغامهم على ازالة الزينة التي اقاموها.

هذا عمل من اعمال الخير يهز مشاعر اي انسان يرجو الخير لبني الانسان على شتى مذاهبهم وقومياتهم. فها هنا اناس انفقوا مئات الباوندات على تزيين واجهات بيوتهم بالمصابيح والفوانيس الملونة والدمى والعرائس المضاءة، بابا نويل، ورجل الثلج ونحو ذلك من الشخصيات الكرسماسية التقليدية وبشتى الألعاب الكهربائية لمجرد امتاع المارة في الشارع الذي تحول الى كرنفال من الألوان والأضواء واللوحات النيونية، تدعو للمارة عاما جديدا سعيدا وأعيادا مليئة بالبهجة والمسرة. وكلها، كل هذه الكلفة والمتاعب لمساعدة مرضى من امراض لا شفاء لها، لا يعرفهم سكان الشارع الذين اقاموا الزينة ولا المارة الذين تمتعوا بالزينة ومتعوا اولادهم بمشاهدتها ووضعوا نقودهم في صندوق الاحسان.

هذه هي المبادرات الجميلة في الأنظمة الديمقراطية. ينطلق بها الجمهور بأنفسهم وعلى مسؤوليتهم وبادارتهم وتنظيمهم الخاص. لا حكومة ولا زعامات ولا احزاب ولا جمعيات. واهم من كل ذلك لا رؤساء وامناء يجمعون التبرعات ويهربون بها الى الخارج. تقف أمام هذه البيوت التي بذل اصحابها كل هذا الجهد والمال لا لمتعتهم هم وانما لمتعتك انت الواقف على الرصيف او الراكب في سيارته وللمساهمة في جو البهجة والاحتفال بمناسبة دينية ووطنية، فلا تملك في الأخير غير ان تعبر عن شكرك وتقديرك، فتمد يدك الى جيبك وتخرج ما استطعت اليه سبيلا وتضع ما تخرج به في هذا الصندوق الخيري. لمن شاء ان يركب جملا يسافر به من الخليج الى لندن للتفرج على هذه الزينة، اقول انها ستستمر حتى 6 يناير.