حذار... أمثال بن لادن الأفارقة قادمون

TT

ما هي علاقة افريقيا بأسامة بن لادن او الشبكات الارهابية؟ الجواب على النحو التالي: افريقيا هي اكثر المناطق في العالم قابلية للتأثر بالارهاب العالمي. واذا كانت امريكا تعتزم الانتصار ـ وليس القتال فقط ـ في الحرب ضد الارهاب، فلا يمكن ان تنظر الى افريقيا باعتبارها منعزلة عن الحرب العالمية الشاملة.

ان الارهاب الموجه ضد الولايات المتحدة زاخر بالحيوية والقابلية على النمو في افريقيا، كما كان واضحا بعد تفجيرات السفارتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، فالقاعدة والخلايا الارهابية الاخرى نشطة في شرق وغرب وشمال وجنوب افريقيا. فهذه المنظمات تخطط، وتمول، وتدرب، وتنفذ العمليات الارهابية في اجزاء كثيرة من افريقيا وليس فقط السودان والصومال.

وتستفيد المنظمات الارهابية من حدود افريقيا السهلة الاختراق، وضعف هيئات تنفيذ القوانين والمؤسسات القضائية والامنية لنقل الرجال والاسلحة والاموال الى مختلف انحاء العالم. انها تستثمر السكان الفقراء، المصابين بخيبة الامل، الذين يعانون، في الغالب، من المظالم الدينية والاثنية لتجنيدهم من اجل الجهاد.

فما الذي تفعله امريكا بشأن ذلك؟ انها لا تفعل ما يكفي. لقد حدد الرئيس جورج دبليو بوش، على نحو جيد، الحاجة الى رد فعل شامل، بعيد المدى، للتهديد العالمي. فقد ربط، على نحو صائب، العمل العسكري النشيط مع الجهود لبناء تحالف متين، وتحسين جمع المعلومات، ووضع اليد على اصول الارهابيين المالية، والدفاع عن الوطن، وتعطيل نشاط المنظمات الارهابية في مختلف انحاء العالم.

غير ان الاستراتيجية الشاملة تفتقر الى عاملين حاسمين:

يتمثل العامل الاول والاكثر الحاحا في ان على الولايات المتحدة ان تساعد تلك الدول الافريقية التي تمتلك الاستعداد للتعاون في الحرب ضد الارهاب ولكنها تفتقر الى الوسائل. وكان بوش على صواب في توفير المساعدة لها، ولكنه لا يمتلك حتى الآن، استراتيجية ملائمة.

وبعد تفجير السفارتين في شرق افريقيا صاغت الحكومة الامريكية اول استراتيجية على نطاق القارة لمكافحة الجريمة والارهاب والمخدرات في افريقيا. وتلقت افريقيا، للمرة الاولى، حصة سنوية من ميزانيات وزارة الخارجية المخصصة لمكافحة الجريمة والمخدرات والارهاب في العالم. وكانت تلك بداية. ولكن اذا ما اخذنا في الحسبان المعركة العالمية الدائرة في الوقت الحالي، فان هذه الموارد غير كافية على نحو يرثى له.

فالولايات المتحدة تحتاج الى استثمار عشرات ملايين الدولارات سنويا لمساعدة عدد كبير من الدول الافريقية على السيطرة على حدودها، وتحسين جمع المعلومات، وتعزيز تنفيذ القوانين، واقامة مؤسسات قضائية فعالة.

اما العامل الثاني فيتمثل في ان امريكا تحتاج على المدى الابعد، الى تغيير الظروف التي تنتج الارهاب في العالم. ان الاسلام دين سريع الانتشار في افريقيا. وهذا، بحد ذاته، لا يثير قلقا. غير ان حقيقة كون بعض انصار الاسلام، الاكثر تطرفا وعداء لامريكا، ينشطون على نحو متزايد، من جنوب افريقيا حتى السودان، ومن نيجيريا الى الجزائر، لا بد ان تكون مصدر اهتمام كبير.

ان افريقيا حاضنة لجنود الارهاب المشاة. ان افراد سكانها الفقراء، الشباب، المستائين، غير الاصحاء، وغير المتعلمين، غالبا ما لا يمتلكون نصيبا في الحكم، ويفتقرون الى الثقة بالمستقبل. انهم ملاذ يسخط على الاوضاع الراهنة ويسهل استغلاله. وبالنسبة لمثل هؤلاء الناس تعتبر النزعة العدمية رد فعل طبيعياً على ظروفهم شأن الاعتماد على الذات.

ولن يكون خوض هذه المعركة سريعا او زهيد الثمن. فأمريكا تحتاج الى توجيه شركائها في العالم المتقدم، سواء في القطاع العام او القطاع الخاص، للاستثمار على نطاق واسع. وسيتعين على الولايات المتحدة ان تفتح اسواقها بالكامل امام السلع والخدمات الاتية من الدول النامية، وتوفر الكثير من تمويل التجارة والاستثمار، وتردم الهوة الرقمية، وتدعم المؤسسات الديمقراطية، وتستثمر على نحو اكبر في تحرير تلك الدول من الديون، وتزيد المساعدة في مجال التعليم، وتقيم البنية الاساسية في مجال الصحة، وتعالج المصابين وتجد لقاحا ضد الايدز.

وبدون تقدم على هذه الجبهات، فان امثال بن لادن المستقبليين سيجددون انصارا متزايدين لصيغتهم المتطرفة من الاسلام، والتي تشكل كراهية امريكا عقيدتها الرئيسية.

ولا يمكن للولايات المتحدة ان تتحمل هذا العبء لوحدها. فعلى الشعوب والحكومات الافريقية ان توفر الزعامة القادرة على صياغة مستقبل افضل. وبدون هذا ستخفق كل الجهود التي يمكن ان تحقق الامن المشترك، بل والرخاء المشترك في نهاية المطاف.

ومن سوء الحظ ان هذا يتطلب، بالضرورة انفاقا يتجاوز الميزانيات المقررة. وتواجه افريقيا، في الوقت الحالي، تقليصا في هذا الاطار لتمويل باكستان وبرامج جديدة اخرى. وهكذا، فانه بعد سنوات عدة من توفير موارد متزايدة باستمرار، من المحتمل ان تحصل افريقيا على ما هو اقل من نصيبها في العام الماضي.

لقد آن الاوان لتغيير ذلك الاتجاه. فالولايات المتحدة تحتاج الى خوض هذه الحرب على نحو حاسم، لكنها تحتاج ايضا الى خوضها على نحو بارع.

* مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الافريقية للفترة من 1997 حتى 2001.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»