يسار ويمين... على الطريقة الإسرائيلية

TT

اكتملت اللعبة «الديمقراطية» في اسرائيل بانتخاب «شاروني» آخر رئيسا لحزب العمل المحسوب على اليسار في دولة تتحكم الطبقة «العسكريتارية» فيها باحزابها الرئيسية وبمصير السلام في المنطقة كلما جرى تبادل دوري في موقع رئاسة الحكومة. بانتخاب وزير الدفاع الاسرائيلي، الجنرال السابق بنيامين بن اليعزر، رئيسا لحزب العمل، وبوجود الجنرال السابق الآخر، ارييل شارون، على رأس حزب الليكود والحكومة معا، تكتمل سيطرة الطبقة العسكرية اليمينية على القرار السياسي في اسرائيل باسم حزبين مختلفين ـ ومتنافسين مبدئيا الا في عدائهما المتأصل لحقوق الشعب الفلسطيني ـ احدهما يميني بوضوح (الليكود) وثانيهما يميني باستجداء (العمل).

الفارق الوحيد على هذا الصعيد بين اسرائيل ودول الانظمة العسكريتارية الاخرى في العالم فارق في الاسلوب ـ أو في الاخراج ان صح التعبير ـ ففي اسرائيل يسيطر الجنرالات على مقاليد الحكم عبر لعبة «ديمقراطية» يقبلها الغرب في حين لا يزال جنرالات الدول الاخرى يلجأون الى اسلوب الانقلابات العسكرية المتخلفة للوصول الى الحكم. يصعب فصل ظاهرة توالي العسكريين الاسرائيليين على رئاسة الحزبين الرئيسيين في بلادهم (اسحق رابين و ايهود باراك وارييل شارون وبنيامين نتنياهو) عن اتجاه عسكرة القرار السياسي فيها.

الا ان اللافت في انتخاب بن اليعزر رئيسا لحزب محسوب على اليسار ان الفروقات السياسية بين اليمين الليكودي واليسار الممثل بحزب العمل اصبحت واهية الى حد يبرر الاستنتاج بان الخلافات في ما بينهما ـ ان وجدت ـ لا تتعدى نطاق توزّع الادوار، فالمعروف عن بن اليعزر انه من أكثر المقربين لآرييل شارون في مجال السياسة الامنية، واحدث مثال على هذا التقارب كان في تبنيه موقف رئيسه المتسرع من اعتبار رئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات، «خارج اللعبة» التفاوضية في النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. وبعد توليه مهام وزير الدفاع في حكومة شارون اعطى بن اليعزر الضوء الاخضر لحملة اغتيالات الناشطين الفلسطينيين وعمليات اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية والغارات الجوية والحصار للمدن والقرى الفلسطينية في الضفة والقطاع. مشكلة التوجه اليميني المتنامي في حزب العمل الاسرائيلي انه يأتي في وقت يحتاج فيه النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي الى «رأي آخر» في التعامل مع التسوية السلمية بعد ان اثبت اليمين العسكري فشله الفاضح في اجتراع الحلول. الا ان حسنته قد تكون، على المدى البعيد على الاقل، انه سيفسح المجال لنشوء حزب يساري رئيسي آخر أجدر بهذه التسمية وأكثر مصداقية في يساريته، قد يكون حزب ميريتس نواته الحاضرة.