لا تقلقوا.. فهو خير لكم!

TT

يعلم الحكماء وأهل الخبرة من السعوديين أن كل نزول حاد في أسعار النفط، وهو السلعة التي تشكل عوائدها العمود الفقري للاقتصاد السعودي، كان يشكل فرصة عظيمة لتطوير الأداء الحكومي وتحسين الكفاءة الإدارية وفتح الآفاق بشكل استثنائي للأفكار الجديدة التي تتيح المجال للدخول في قطاعات غير مسبوقة ومختلفة.

ذاكرة السعوديين لا تزال حية بقصص إطلاق الكثير من التشريعات والقرارات والمشاريع التي جاءت في ظروف الهبوط الحاد في أسعار النفط.. مشاريع عملاقة مثل الجبيل وينبع كقاعدتين استثنائيتين للصناعة الكبرى، وكذلك إطلاق شركة سابك لتكون أهم شركة في العالم لإنتاج البتروكيماويات بمختلف أشكالها، وفتح المجال وتحرير الكثير من القطاعات بطرح الرخص واستحداث الهيئات الداعمة لها، مثل الهيئة العامة للاستثمار وغيرها من المؤسسات التي تقوم لأجل كسر الروتين وتحفيز المستثمر وفتح المجال بشكل جدي لتنويع مصادر الدخل وجذب المستثمر سواء أكان الوطني أو الأجنبي.

يعلم السعوديون من استرجاع ذاكرتهم أن «التقشف» المالي الذي يحصل مع هبوط مداخيل النفط يحصل معه تطور في الإدارة المالية للدولة بشكل فعال، وكذلك تطور في القطاعات الخدمية والاقتصادية. اليوم يتطلع السعوديون للقطاعات المختلفة التي تهمهم بعين الترقب والأمل. هم اليوم يأملون في وزارات القطاع الاقتصادي حراكا مغايرا تماما.. يأملون في وزارة المالية أن تلهم الاقتصاد الوطني بنظرة جديدة تفصل الثمن والتكلفة فيتم التقييم للمناقصات والمشاريع بناء على عنصر التكلفة وليس عنصر الثمن؛ فكم من المشاريع كانت «أرخص» ثمنا إلا أنها على المدى الطويل ثبت أنها أكثر تكلفة بكثير. يتمنون من وزارة التجارة والصناعة أن تقوم بدورها الشمولي والأكمل، أن تكون قادرة على «تسهيل» المجال لكل من له الرغبة في الدخول لقطاعي الصناعة والتجارة لأنها بذلك ستساعد في جلب المال للبلاد بدلا من تشجيعه للرحيل إلى دول أخرى بديلة للاستثمار فيها، وطبعا سيكون نتاج ذلك فتح المجال لتوظيف الآلاف من أبناء وبنات البلاد وهذا هدف مهم وكبير لا يقل أهمية أبدا عن دور حماية المستهلك الذي تقوم به الوزارة اليوم.

يتطلع السعوديون لهيئة عامة للاستثمار قادرة على المنافسة بالمعايير الدولية العالمية.. قادرة على أن تكون جاذبة لكافة طالبي الاستثمار في السوق الاقتصادية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، هيئة تستطيع أن تقدم الأدوات والعناصر والوسائل الممكنة لتذليل الصعوبات والمشاكل أمام المتقدم إليها بدلا من خسارته لصالح أسواق ودول بديلة مجاورة أو بعيدة تقدم وسائل وعناصر الجذب والإغراء بشكل سلس ومتمكن. يتطلعون إلى أنظمة وتشريعات تحث على التوظيف الوطني بقوة ولكنها في نفس الوقت تقدر وترعى الكفاءات الاستثنائية التي لا وجود لها في السوق المحلية ولكنها بحاجة ماسة لها ولا بد من الحفاظ عليها أو جلبها بدلا من خسارتها لصالح بلدان أخرى. يتطلعون إلى عودة الاحترام والكفاءة والجدارة لوزارة الاقتصاد والتخطيط وإلى إحصائيات وبيانات حقيقية تعكس الواقع، وإلى طرح عقلاني يسمح للمواطن بمعرفة ما يجري في الشأن الاقتصادي في بلاده بشفافية ووضوح وإلى طرح جاد ومحترم يعكس واقع البطالة والنمو الاقتصادي والتضخم بشكل صريح حتى يصبح المواطن واعيا للتحديات التي تواجهه بدلا من تبسيط الأمور أمامه، وكذلك طرح مشاريع عملاقة جديدة كما فعلت ذات يوم وزارة التخطيط وطرحت مشروع الجبيل وينبع بشكل دقيق ومدروس، فهذا هو دور الوزارة وليس المشاركة في الندوات والمؤتمرات والمنتديات.

هذه ما هي إلا نماذج من الفرصة الذهبية التي من الممكن أن توفرها مرحلة الهبوط الشديد في أسعار سلعة النفط، فالسعوديون مروا بمثل ذلك في السابق وتمكنوا من استغلال الظرف بسياسات إدارية ومالية كانت بمثابة إعادة هندسة للتوجه المالي والاقتصادي جاء بفوائد مهمة جدا في فترة بسيطة، والسعودية صاحبة الثقل السياسي المهم والوزن والمكانة الاقتصادية الأكبر في سوق الشرق الأوسط، تستحق ذلك بشكل سريع.