شعبية «الإخوان» على المحك المصري

TT

مرت مصر منذ اندلاع ثورتها في 25 يناير 2011 بعدد من الامتحانات العسيرة اختُبرت فيها الشعبية الحقيقية للإخوان المسلمين، أولها وباكورتها: السباق المحموم بين الرئيس السابق د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق على منصب رئاسة الجمهورية، كان الامتحان المبكر الذي أظهرت نتائجه أن تيار «الإخوان»، وجماعات الإسلام السياسي المتحالفة معه، ليس بذاك التيار الجارف، كما يصوره أتباعه والمتعاطفون معه، نعم، يظل انتصارا إذا احتكمنا إلى قوانين اللعبة الديمقراطية، لكنه انتصار لا يتفق مطلقا مع دعوى الشعبية الكبيرة، فالمنافسة كانت بين الدكتور مرسي وأحد فلول نظام مبارك، والثورة أصلا كانت ضد النظام، إذن فانتصار مرسي بنسبتين مئويتين ضد «فلولي» ليس انتصارا لنظرية الشعبية الجارفة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن مرسي يمثل حركة شعبية شاركت، ولو متأخرة، في الثورة ضد مبارك وفلوله بفعالية، وحقيقة أخرى تقول إن نسبة ليست بالقليلة من الذين صوتوا لمرسي صوتوا معه ليس حبا فيه ولا في «الإخوان»، ولكن كرها لنظام مبارك وفلوله، وكان الامتحان الثاني في التصويت على الدستور الذي تم في عهد محمد مرسي، الذي أظهرت نتائجه تشابها مع نتائج الانتخابات الرئاسية، أي بالأغلبية البسيطة.

أما الامتحان الثالث، فكان فض اعتصامي رابعة والنهضة اللذين عوّل عليهما «الإخوان»، ليكونا بداية لاندلاع مظاهرات مضادة في المحافظات، ربما كانت ستؤدي، بناء على حسابات «الإخوان»، إلى زعزعة النظام، إلا أن النتائج جاءت مخالفة تماما لتوقعاتهم واستشرافاتهم، هذا الامتحان العنيف لم يكن انتخابيا، لكنه كان أصعب الامتحانات التي اختبرت فيها شعبية «الإخوان» والإسلاميين بصورة عامة.

صحيح أن المظاهرات التي تلت فض اعتصامي رابعة والنهضة أزعجت قوات الأمن، وصحيح أيضا أن الأعداد التي شاركت في المظاهرات لم تكن في مجموعها العام في البلاد قليلة، وصحيح أيضا أن تلك المظاهرات كانت تشكل قلقا بالغا بسبب صخبها العالي وتأثيرها الإعلامي، وصحيح أيضا أن التيار الإسلامي في مصر، خاصة الإخوان المسلمين، ربما تكون له شعبية كبيرة مقارنة بكل حزب سياسي ليبرالي على حدة، لكن الصحيح أيضا أن تلك المظاهرات والاعتصامات لم تكن تمثل كل شرائح الشعب المصري المختلفة، وشارك فيها من غير أتباع الجماعات الإسلامية من الفئات الشعبية غير المؤدلجة نسبة قليلة جدا، حتى بدت المظاهرات (وهذا ينطبق على اعتصامي النهضة ورابعة) تجمعا بشريا كبيرا محصورا في أتباع الحركات الإسلامية وأهاليهم.

وهذا بالضبط الذي قاد إلى رد فعل «فاتر» تجاه فض اعتصامي رابعة والنهضة، وبعبارة أخرى أقول إن أي مظاهرة تقل في العدد عن مظاهرات الإسلاميين، لكنها تمثل كل شرائح الشعب، تُعتبر في الميزان السياسي أكثر تأثيرا من مظاهرة اللون الغالب فيها للإسلاميين حتى لو كان العدد أكبر بعشرات الأضعاف، إذ إن الجماهير النوعية الممثلة لفئات الشعب، أهم بكثير من الجماهير الكبيرة ذات اللون الواحد. وهذه بالذات مسألة بالغة الأهمية يجب أن تلفت لها جماعة الإخوان المسلمين في مراجعاتها المستقبلية إن كان ثمة مراجعات، وهذا ما سأتحدث عنه في المقالة المقبلة.