مسألة ضمير

TT

لأربع سنوات قبل العالم أن تكون دول الجوار هي المسؤول الأول عن اللاجئين السوريين. أكثر من 4 ملايين سوري اضطروا للهروب من وحشية وبطش وإجرام ودموية نظام بشار الأسد لجأوا بشكل أساسي إلى كل من تركيا والأردن ولبنان (مع التأكيد على وجود غيرهم في دول أخرى مثل العراق ومصر ودول الخليج العربي وأوروبا ولكن بأعداد جدا بسيطة).

الآن بات الموضوع أكثر جدية وخطورة وخصوصا في ظل تحذيرات المنظمات الدولية المعنية بمتابعة هذا الموضوع الإنساني الدقيق والحرج جدا. الأرقام مفزعة وتتحدث عن نفسها منذ عام 2011 حتى اليوم؛ إذ أكثر من نصف تعداد الشعب تغير مكان إقامته ما بين 7.6 مليون في الداخل السوري نفسه وأكثر من 4 ملايين خارج البلاد. ولقد أوضحت منظمات الأمم المتحدة الإغاثية المعنية بموضوع اللاجئين أنها تعتبر الموضوع السوري هذا أكبر تحد إغاثي من نوعه في التاريخ، ولقد حذرت بصريح العبارة أنها ستواجه مع الوضع السوري ودخول موسم الشتاء القارس حالة من النقص الحاد والشديد في المواد الغذائية لأن المنظمات أوقفت دعمها الغذائي للاجئين السوريين الذين كانوا تحت رعايتها ويقدرون بنحو 1.7 مليون، لأنها باختصار شديد لم يعد لديها القدرة المالية على الالتزام بسداد المطلوب.

المنظمات الإغاثية الأممية بحاجة ماسة لأكثر من 6 مليارات دولار وبشكل فوري فقط لتغطية الإعاشة الغذائية لبعض اللاجئين السوريين وذلك بصورة مؤقتة. الدول التي بها الأعداد الأكبر باتت تعلن وبشكل واضح أنها لم تعد قادرة على تحمل المزيد (هناك اعتقاد بأن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير لأن هناك أعدادا كبيرة لم تسجل بشكل رسمي)، فالأردن لديه 620 ألف لاجئ، وتركيا 1.2 مليون، ولبنان 1.1 مليون. وقد صرحت المنظمات الأممية أن أكبر الداعمين والمتبرعين لهذه الجهود هي الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ولكن في نفس الوقت تم توجيه نقد حاد للغاية للدول الأوروبية التي تتعامل مع مسألة اللاجئين السوريين بمبدأ «أبقوهم هناك بعيدا عنا»، بمعنى آخر العطاء بسخاء لهم في أراضيهم ولكن لا يوجد استعداد لقبول فكرة إدخالهم مثل غيرهم من الجنسيات في السابق التي مرت عليها ظروف قاسية مثل أهل الصومال، وإريتريا، وفيتنام، والبوسنة، والشيشان على سبيل المثال ولكن يبدو أن الأمم المتحدة ضاقت ذرعا بهذه النوعية من السياسات السلبية وتحاول إحداث حراك جديد لتغيير ذلك الأمر وإجبار الدول الأوروبية على قبول أعداد معتبرة من اللاجئين السوريين على أراضيها، وهناك حراك أدى إلى استجابات خجولة من ألمانيا وبريطانيا وآيرلندا، وتبقى السويد المثل الأهم والأفضل والأرقى للاستجابة لذلك.

من جهة أخرى، لم تقدم الدول الإسلامية (باستثناء تركيا ولبنان ومصر والأردن) الخدمات والتسهيلات والخيارات لاستضافة السوريين ولا حتى استضافة ذوي الذين يعمل أهلهم على أراضي تلك البلاد، بل على العكس تماما وضعت المصاعب والشروط والقيود والتعقيدات الهائلة جدا.

مسألة التعامل مع اللاجئين السوريين ليست قضية سياسية ولكنها قضية أخلاقية وإنسانية واجتماعية في المقام الأول، فلا يمكن للعالم أن يدعي أنه يسعى لحل أزمة السوريين دون الإقدام على حلول استثنائية، فهم يواجهون نظاما باعهم للمجهول لو عادوا إليه لقضى عليهم في غياهب السجون والمعتقلات إذا لم يقتلوا قبلها.. نظام يتاجر بهم ليلا ونهارا، نظام ضحى بهم لكي يبقى هو، ويساعده في ذلك كل الأشقياء والمجرمين حول العالم الممثلين في دول مارقة وعصابات مجرمة لا تتوانى عن عمل أي شيء حتى يبقى الأسد مستمرا في حكمه.

التسهيلات المطلوب تقديمها للاجئين السوريين تستدعي تمكينهم من العيش بكرامة وتحقق لهم الاستقرار والسلم النفسي وهذا الأمر لن يتحقق من خلال مخيمات مؤقتة ظروفها المعيشية مزرية تطال يد الفساد الإغاثات القادمة إليهم والمعونات المروجة لهم. لقد آن الأوان لاتخاذ خطوات أهم وأكثر فعالية وأكثر تأثيرا وأكثر واقعية؛ فاستمرار تفاقم مشكلة اللاجئين السوريين بهذا الشكل المأساوي مسألة لا تتعلق بالدول التي تستقبلهم وحدهم ولكنها تمس ضمير العالم بأسره.