طرقات على الأبواب في «دبي»

TT

كثيرة هي الأفلام التي راهنت على الإبداع، وعدد منها امتلك الجرأة على أن ينتقد الكثير مما هو مسكوت عنه في عالمنا العربي، شاهدتها وما أزال في مهرجان «دبي». بات واضحا أن الإبداع هو سيد الموقف في اختيار الأفلام والضيوف والتظاهرات الموازية.

لا أعتقد أنه من الممكن، في لحظة ما، أن تفصل السياسة عن الثقافة وخصوصا في مجال السينما، لو راجعت تاريخ مهرجانات السينما العالمية لاكتشفت أنها كانت وجها آخر لتلك الصراعات بين القوى العظمى في الحرب العالمية الثانية، حيث إن موسوليني الفاشستي يقرر أن ينشئ مهرجان البندقية «فينيسيا»، ليقدم للعالم وجها مغايرا للديكتاتور، كانت إيطاليا مع ألمانيا تمثلان جبهة «المحور»، بينما وقف على الجانب الآخر «الحلفاء» فرنسا وإنجلترا وأميركا، وهكذا وجدنا فرنسا تسارع بعدها بإقامة مهرجان «كان» ليصبح بمثابة منصة لإطلاق الأفلام المؤيدة للحلفاء، وتصادف وقتها اندلاع الحرب وتبادل طلقات المدافع، فتأجلت الدورة الأولى للمهرجان الفرنسي قرابة 7 أعوام وتوقف التراشق السينمائي.

في العالم كله، هناك خط سياسي يتدخل في اللحظة الحاسمة، وعلينا ملاحظة مثلا أن مهرجانات «كان» و«فينيسيا» و«برلين»، رحب مسؤولوها - ولا يزالون - بالأفلام التي تناصر ثورات الربيع، ومهرجاناتنا العربية - أقصد بالطبع الأغلبية منها - تقف بجوار ثورات الربيع ولا تسمح أبدا بأفلام تحاول أن تعيد عقارب الزمن، إلا أن المأزق أننا نشهد على أرض الواقع تغيرا في المعادلات السياسية، كما أن الشعوب خفت، وبنسبة ملحوظة، حماسها للثورات نظرا إلى سرعة الإيقاع وتلاحق المتغيرات، وصار لدى قسط وافر منها مع اختلاف الدرجة قدر ما من الإحباط، حيث لم تؤت تلك الثورات الثمار المنتظرة، ورغم ذلك فلا أظن أنه من الممكن أن نرى أفلاما في القريب العاجل تذرف الدموع على ما قبل الربيع.

قد تجد، كنوع من تعويض للغياب السياسي لثورات الربيع، حضورا مميزا للسينما التي يلعب بطولتها الأطفال، والحقيقة أن الفيلم الذي يشاهده الطفل ليس هو بالضبط فيلم الطفل، وهكذا وجدنا أكثر من فيلم في مهرجان «دبي» يلعب بطولته أطفال.

الدائرة تتسع عالميا، ورغم أن «دبي» بدأ وهو يتوجه عربيا فإن الإطلالة بقدر ما ازداد قطرها دوليا ليشمل العالم كله، فهي لم تتخل أبدا عن النظرة العربية التي تضعها في العنوان، ولا تزال جائزة المهر لها الصدارة والاهتمام عربيا، وعلى الجانب الآخر صعدت الأصوات الخليجية، والإماراتية تحديدا، لتشكل قيمة وهدفا استراتيجيا لمهرجان «دبي».

إنها في النهاية تعبر عن رؤية سياسية من خلال منظور، يرى أن الخليج على الخريطة السينمائية ينبغي أن يلعب دورا ويأخذ مكانته ولا يصبح مستوردا فقط الأفلام بل مصدرا لها، هكذا مثلا شاهدنا فيلم «من ألف إلى باء» لعلي مصطفى ينتقل من «أبوظبي» إلى «دبي»، بينما ينفرد «دبي» هذه الدورة بالعرض الأول لفيلم «دلافين» للمخرج وليد الشحي، حيث يغوص مخرجه في المجتمع وينتقل إلى «رأس الخيمة» ليقدم فيلمه عن الإنسان الإماراتي بعيدا عن تلك النظرة «الاستريو تايب» النمطية، التي صدرتها لنا الأفلام العربية قبل الأجنبية للإنسان الخليجي. السينما حتى تنتعش يجب أن تطرق باب المسكوت عنه، وأنا أرى مثلا في فيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور الذي شاهدته قبل عامين في «دبي»، وفي فيلم «دلافين» طرقات صريحة وواضحة ومؤثرة لفتح الأبواب المغلقة.