مسرح الفوضى: الأزمة السورية مفتاح حل «داعش»!

TT

هل الانتصار على «داعش» سيحل أزمات المنطقة؟!

سؤال لا ترغب كل الأطراف المستفيدة من الحرب على «داعش» في الإجابة عنه، لا سيما تلك التي ساهمت في ولادة ونشأة وتقوية «داعش» ربيبة الاستخبارات وتجار الحروب والأزمات.

ما يقوله السؤال بلغة أخرى هو أن الحرب على الإرهاب ينبغي ألا تكون معزولة عن مسببات العنف وبواعثه والبيئة الخصبة التي ينمو فيها، وبالتالي لا يمكن تخيل سيناريو القضاء على «داعش» مع بقاء نظام بشار الأسد أُسّ المشكلة، الذي لولاه لما كانت «داعش» تملك دولتها المزعومة وخليفتها المهووس بالدم.

القصف الأميركي لـ«داعش» يمنح مساحة واسعة وحرية كبيرة لقوات الأسد في الانفراد بالمعارضة المسلحة المضادّة لـ«داعش» من قوات المعارضة التي تدعمها أميركا وتهيئها للقتال بعد التدريب الذي ربما استمر سنوات بحسب تصريحات المسؤولين الأميركيين الذين يتجنبون الحديث عن استهداف قوات النظام بينما لا تكف تصريحات نظام الأسد عن مناوأة ميليشيات المعارضة واستهدافها وقتالها وبث روح الانتصار في الجيش بأخبار وأرقام الضحايا لمجموعات تدعمها الولايات المتحدة بشكل أساسي.

الخوف من استهداف قوات النظام على مستوى الولايات المتحدة جزء من ملف أشمل يطال المفاوضات الإيرانية والملف النووي على اعتبار أن استهداف الأسد هو تقويض لحالة التسامح مع إيران في ظل اعتبارها مفتاح الحل في العراق وسوريا بما تملكه من أوراق تفاوضية.

الإشكالية الحقيقية هي تداخل الملفات السياسية في شكلها التفاوضي النفعي والبراغماتي مع انسداد الحالة الأمنية وعدم تقدم أي قوى على الأرض باستثناء استغلال «داعش» هذا التردد الأميركي والخوف من قبل دول الاعتدال في ازدواجية الحرب على الإرهاب، رغم اندفاعها الكبير في الحرب على «داعش» وربما بشكل يفوق إيران والنظام السوري المستفيد من تعاظم قوة «داعش» على الأرض.

الإشكالية التي لا تفهمها الولايات المتحدة حتى الآن أن تجاهل السنّة بصفتها كتلة سياسية لا يفيد معه استثمار العلاقات الدبلوماسية الجيدة مع دول الاعتدال وحلفائها في المنطقة، ولا يفيد قياس حالة إيران مع أذرعتها الآيديولوجية والسياسية في المنطقة من «حزب الله» إلى الحوثيين إلى الميليشيات المسلحة العراقية، فتلك ذات ارتباط بنيوي بالسياسة الإيرانية الخارجية على طريقة استدماج مفاهيم الثورة الإسلامية ومشروعها الانقلابي عبر تكريس حالة «الدولة» داخل الدولة، بينما يتراجع التأثير على كل المكونات السنية الصغيرة غير التابعة لأي دولة والمنفصلة عن التأثر بالسياق السياسي العام، فهي في معظمها ميليشيات عشوائية وجماعات مسلحة وحتى كتل سياسية صغيرة هدفها الرئيسي إسقاط نظام الأسد أكثر من تأسيس حالة سياسية سنية جديدة. طبعا هذا الفرز الطائفي برافعة سياسية هو «الواقع» رغم ما يحمله من نذر الإحباط، لذلك فخسارة تلك العشائر في العراق والشام والمجموعات التي تعيش تحت نيران الأسد من جهة، ومدافعة «داعش» والحرب المباشرة مع ميليشيات إيران و«حزب الله» من جهة أخرى، هي خسارة للاستقرار لآماد بعيدة جدا، ستكون لها عواقب تفوق حالة «الشتات» التي عشناها إثر حرب العراق.

تدريب ميليشيات تقاتل الأسد، تجنبا للدخول المباشر في أتون المواجهة المباشرة مع «داعش»، سيخلق إشكالات كثيرة في تقديم «داعش» وكأنها من يحمي السنّة على الأرض من نيران الأسد وإيران وحتى المجموعات الصغيرة التي لن تستطيع إسقاط النظام، وبالتالي سيطيل من أمد الأزمة، وسيعين على انشقاقات كبيرة بين العشائر والمجموعات الصغيرة التي قد تختار «داعش»، والتحالف مع الدولة رغمًا عنها.

بالطبع تراجع الحالة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط بهذا الشكل المتسارع، سيعيد تشكيل أولويات المنطقة على مصطبة «المصالح» الاقتصادية وليس مستلزمات الحالة السياسية، وهنا سندخل مرحلة جديدة من مفاوضات «تجار الحروب والأزمات» غير المكترثين بالخروج من «مسرح الفوضى» العبثي الذي سنعيش ارتداداته السلبية طويلا.

[email protected]