الحرب على «داعش».. إلى أين؟

TT

من الصعب التكهن بمستقبل نتائج حرب التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا والعراق، ذلك لأن هذه الحرب ليست حربا تقليدية يكون فيها الطرف الثاني محدد الزمان والمكان، ولكنها أشبه بحرب العصابات التي هي من أخطر الحروب وأصعبها، فـ«داعش» و«النصرة» ينقسمان إلى جماعات سريعة التنقل، وبدورها طائرات التحالف مطلوب منها أن يكون هدفها محددا قبل إطلاق صواريخها، وهذا ما لا يتحقق لها. أميركا التي هي الذراع القوية في هذه الحرب أثبت تاريخها في الحروب أنها لم تحقق أي انتصار في مثل هذا النوع من هذه الحرب، فالتاريخ العسكري يحدثنا أن أميركا لم تفلح في حرب العصابات في فيتنام، ومُنِيت بهزيمة قاسية لا تزال أميركا تعاني منها إلى اليوم، وكذلك في العصر الحاضر لم تحسم أميركا الموقف مع طالبان في أفغانستان.

إن «داعش» استطاع أن يجر الجميع إلى حرب استنزاف، ومما يساعده على هذا الاستمرار في هذه الحرب بقوة قتالية لا تضعف ميدان الحرب الذي يقاتل فيه، الذي يمتد من سوريا إلى العراق، فعندما تضعف في العراق تنتقل للقتال في سوريا، والعكس، مما يجعل من هزيمتها أمرا صعبا، ولذا صرح الرئيس الأميركي أوباما، أكثر من مرة، بأن الحرب مع الإرهاب سوف تطول لكي يهيئ الرأي العام الأميركي للمستقبل الغامض لهذه الحرب، وأميركا لم تدخل هذه الحرب ضمن تحالف دولي، إلا بسبب حالة الفوبيا المصابة بها من هذه النوع من الحروب منذ حرب فيتنام.

وأكبر من ذلك أن «داعش» استطاع أن يكسب مشاعر كثير من المؤيدين له على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وذلك لأنها تحارب في منطقة هي بدورها تشهد حروبا ضد شعوب عربية وإسلامية شهدت مذابح مروعة للمدنيين، وهما الشعبان السوري والعراقي، وخاصة ضد أهل السنّة والجماعة، مما يعطي مؤشرا على أن «داعش» يتلقى التأييد والدعم من جهات كثيرة، ومما يجعل له بريقا يجذب من هم في سن الشباب للانخراط في صفوفه أنه يحمل اسم «دولة الخلافة الإسلامية».

ظهور «داعش» كان وراءه أسباب، أهمها فشل الأمم المتحدة ومجلس الأمن في إيجاد حل سياسي للقضية السورية، وعدم استقرار الوضع السياسي في العراق أثناء فترة نوري المالكي الذي كرس الطائفية في العراق، بعد خروج الجيش الأميركي منه. كل هذه المعطيات هيأت الوضع لظهور منظمات إرهابية تحمل لواء «الجهاد». لم يتدارك العالم الوضع في بداية قيام الثورة السورية، فكانت النتيجة ظهور «داعش» وغيره من هذه المنظمات الإرهابية. كان تردد أميركا في التدخل العسكري في سوريا سببه، وكما قال أوباما، أن هناك منظمات إرهابية مع الجيش الحر، والآن يجبر أوباما على محاربة هذه المنظمات الإرهابية. ولذا الحرب على «داعش» لن تكون عسكرية بالدرجة الأولى، إنما سياسية بامتياز. ولن تنجح الحرب على الإرهاب ما لم تجد قضايا المنطقة تسويات وحلولا مرضية لكل الأطراف في المنطقة.

إذا كانت أميركا لم تستطع القضاء على الجماعات الإرهابية عندما كانت تحتل العراق، فكيف تستطيع الآن القضاء على هذه الجماعات بالطائرات؟ لو أن أميركا والدول الكبرى تدخلت منذ بداية الثورة السورية، وأوجدت الحل السياسي لها، وألزمت الأسد بالرحيل، لما حدث ما يحدث الآن، ولكن الآن الواقع العسكري تغير على الأرض في سوريا والعراق، والحل السياسي يصعب، يوما بعد يوم، ولذا تجد دول التحالف صعوبة في ملاحقة «داعش» وغيره، بل، على العكس، أصبح «داعش» هو الذي يحقق تقدما على الأرض. يستنتج من ذلك أن «داعش» استطاع القيام بما لم تستطعه الزلازل الكبرى التي حدثت في المشرق العربي في الأعوام القليلة الماضية، فإذا كانت الثورات التي قامت في «الربيع العربي» استهدفت تغيير النظم السياسية، فإن صعود «داعش» يهدد بتقويض الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة، وتدمير الدولة والمجتمع فيها.

لقد غضت إدارة أوباما الطرف عن «داعش» طويلا، حتى أعلن أن هذه الحرب على أميركا مباشرة، ولم يجتح المحافظات السنية فحسب، بل تقدم نحو عاصمة كردستان، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، وعرض حياة أميركيين مقيمين في أربيل للخطر، ورفع التحدي بذبح الصحافي جيمس فولي.

عقدة الحرب الفيتنامية التي تلقت فيها أميركا هزيمة تاريخية، وكذلك ما واجهه الجيش الأميركي من مقاومة من العراقيين أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأعداد القتلى من الجيش الأميركي التي كانت تُرسل في توابيت إلى أميركا، هي التي تجعل أوباما يتردد في خوض الحرب البرية.

الحل المناسب للحرب على «داعش»، وكما قال الكاتب صاموئيل هورتي في مقال نشرته صحيفة «إندبندنت» البريطانية، قال فيه إن الحرب الحالية على هذا التنظيم تعد «خطأ كبيرا»، ولا يمكنها وقف انتشار «التطرف الإسلامي»، مشيرا إلى أن «معالجة التطرف داخل المدارس والمساجد يمكن أن تؤدي دورا أفضل». ولذا كل المحللين السياسيين يستبعدون القضاء على «داعش»، فهل تستطيع قوى التحالف الدولي هزيمة «داعش» أم يكون «داعش» فيتنام ثانية بالنسبة لأميركا؟