التكفير ليس قضيتنا

TT

ضج الشارعان العربي والإسلامي بعد تصريح لمشيخة الأزهر ترفض فيه تكفير إرهابيي «داعش»، معتبرة الأزهر وجها معتدلا للإسلام، ونافية عنه مبدأ تكفير أي مسلم يوحد الله.

اختلف المتلقون حول هذا الموقف؛ فبعضهم، وهم قلة ظاهرة، أشادوا بموقف الأزهر متعاطفين مع الخلافة الإسلامية المزعومة، وأن هذا الموقف من المؤسسة الدينية الكبيرة يؤكد لهم أن «داعش» تعمل وفق مبدأ إسلاميتها ورؤيتها الشرعية الخاصة بمبدأ الولاء لمن يواليها في منهجها والبراء فعلا لمن يخالفها. أما معظم المتفاعلين فكانوا مستنكرين كيف للأزهر أن يعتبر هؤلاء القتلة مسلمين؟! وكيف هدته رؤيته لتأكيد إسلاميتهم؟! الأزهر يرد بأن التكفير ليس من شيم الأزهر، بل سيجعله لا يفرق عن الجماعات المتطرفة التي تكفر عموم المسلمين لتتذرع بقتلهم وترويعهم، لكنه كان واضحا في رفضه نهج الجماعة المتطرفة التي تمارس أعمالا إرهابية لا تمت للإسلام بصلة، وهذا هو المهم.

بكل تقدير واحترام وتفهم، ليسمح لي سماحة شيخ الأزهر، وهو قطعا أعلم مني وأكثر دراية، أن أخالفه في نقطة واحدة، وهي أن تكفير المسلم يجعل من الأزهر مثل «داعش»، هذا لا يمكن. الأزهر مؤسسة دينية عريقة، وكان منها ولا يزال أعظم علماء الأمة الإسلامية، وهؤلاء يعلمون أن الخروج من الإسلام قولا أو فعلا أو كليهما، أمر ممكن وحاصل منذ التاريخ الإسلامي، وحروب الردة من الشواهد. لكني أتفق مع سماحته في موقفه من رفض تكفير «داعش»، لسبب أن تكفيرهم ليس هو قضيتنا معهم، ولو قال الأزهر إنهم كفار لما زاد على موقفنا بالإدانة تجاههم.

لا يهم أحدا إن كان البغدادي يشهد بوحدانية الله أم لا، أو إن كان يتوضأ قبل أن يؤم الصلاة بأتباعه، فهذا شأنه، لكن يعنينا كثيرا كونه قائدا لعصابة إجرامية شاع فحش عملها في أراض واسعة ويهدد وجودها أراضي أخرى. ما قيمة كون المرء مسلما إن رفع سلاحه ظلما وبغيا، أو اعتدى وظلم؟ حتى لو كان إمام مسجد، لن يكون بمنأى عن غضب الناس وردع القانون، أما غضب الله عليه فهذا أمر إلهي لا دخل لنا به سوى إيماننا بأن العدالة الإلهية أمر متحقق لا محالة، إن عاجلا أم آجلا.

كلمة التوحيد المخطوطة على قطعة قماش سوداء التي يستخدمها عناصر «داعش» ديكورا لتزيين ظهورهم الإعلامي لم تجعل لهم حضورا لدى غالبية المسلمين، ولم تشفع لهم في تشريع حفلات قطع الرؤوس والجلد والرجم والصلب التي يمارسونها ضد الأبرياء، ولن تمحي جرائم السرقة والابتزاز التي يمولون بها عملياتهم، ولن تكون ممحاة لجرائم الاغتصاب الممنهجة التي يمارسونها ضد الفتيات تحت اسم المناكحة لينعموا بالمتعة والقوة الجسدية والنفسية لحمل السلاح.

الواقع أن هذا الجدال بين الناس حول تكفير أو أسلمة «داعش» مثال آخر على فشل استخدام الدين في السياسة، والفشل في قراءة التاريخ الإسلامي الذي كتب عشرات من المعارك دارت رحاها بين فريقين يحارب كل منهما خصمه باسم الإسلام أو تحت شعاره. في التاريخ المعاصر جلبت دول الخليج جيش الولايات المتحدة الأميركية لضرب صدام حسين وطرده من الكويت، واحتج وقتها قلة رأت أن في ذلك موالاة للكافر على حساب المسلم! ونحمد الله كثيرا أن هذه الأصوات الشاذة لم تكن مسموعة وإلا لكنا اليوم في حال يرثى لها. لا فرق بين «داعش» وصدام والقذافي والحوثيين وحزب الله وجبهة النصرة وغيرهم، كل منهم، ومن تبعهم، كتب في أوراقه الرسمية أنه مسلم، منهم من استخدم الدين بطاقة للحصول على مقعد سياسي، وبعضهم الآخر ذهب ضحية غروره، ولكن بالنهاية كلهم أعداء للإنسانية. ولنتذكر حلف الناتو الذي يتشكل من قوات لا تدين غالبيتها العظمى بالإسلام ناصرت مسلمي كوسوفو ضد عدوهم الصربي المسيحي، ثم أسقطت نظام معمر القذافي المسلم.

الأزهر في موقفه لا يريد أن يدخل في دائرة النقاش حول تأصيل مسألة التكفير، لأنها ليست في صالح المسلمين في هذه المرحلة التي يتعرض فيها الإسلام إلى تشويه ممنهج ومدعوم، وهو توجه حكيم ومفهوم من الشيخ أحمد الطيب، أقله لئلا تثور التساؤلات حول تكفير الجماعات المسلحة الأخرى التي تقتل وتعتدي وتهدد أمن مصر كالإخوان المسلمين.

حتى السعودية، قلب العالم الإسلامي وبلاد الحرمين الشريفين، التي تعيش معركة ضروسا ضد الإرهاب لم تستخدم في خطابها الرسمي لفظ التكفير ضد الإرهابيين، بل أطلقت عليهم لقب «الفئة الضالة»، والضلال هو الانحراف عن جادة الصواب. هذا النوع من المصطلحات يصف الحال دون الدخول في تفاصيل العقيدة، التي لا تقدم ولا تؤخر في واقع الحال. وفي الموقف الغربي من سلوك الإرهابيين كان دائما ما يتكرر على لسان المسؤولين أنهم شواذ لا يمثلون القاعدة العريضة من السماحة والرحمة التي جاء بها الإسلام، وينظرون لهؤلاء كابن ضال وسط أسرة صالحة، وهكذا علينا أن نكون.. الدين لله، والعدوان على الظالمين.

[email protected]