لماذا سيحبطك الرئيس الأميركي القادم؟!

TT

بدأ الكاتب بريندان نيهان، صاحب عمود «أبشوت» في صحيفة «نيويورك تايمز»، نقاشا مثيرا للاهتمام بعنصر مهم عن كيفية إصابة رؤساء العصر الحديث بوباء التوقعات غير الواقعية. وأشار إلى أنه في عصر الرئيس المتحيز لحزب، يعد توقع تجاوز أي ساكن للبيت الأبيض للانقسامات توقعا في غير محله. وهذا أمر صحيح؛ فالرئاسة المتحيزة لحزب تعتبر ذات طابع هيكلي، أنشأتها القوة الشاملة للحزبين الديمقراطي والجمهوري. ولا يستطيع أي رئيس أن يعيدنا إلى الرئاسة ذات الطابع الشخصي مثل رئاسة ريتشارد نيكسون أو جون كيندي.

فلماذا إذن يظل الرؤساء يتعهدون بتجاوز التحزب؟ في الواقع، ترى جوليا أزاري أن حديث الرؤساء صراحة عن حصولهم على تفويض من حزبهم أفسح الطريق بشكل متزايد إلى التصريح بأن التفويض مستمد من آيديولوجيا أو قضايا محددة. ورغم أن هذا يوضح تزايد النزعة الآيديولوجية الذي يشرحه هانز نويل بالتفصيل، يبدو غريبا أن يكون لدينا الآن رؤساء حزبيون يخجلون من استدعاء الحزب.

تفسير هذا الأمر مكون من جزأين:

أولا: رغم أن الأحزاب أقوى كثيرا مما كانت عليه وهي في أدنى مستوياتها في منتصف القرن العشرين، لم تعد قدرتها على الجذب، فيما يتعلق بالرمزية والخطاب، إلى الحياة، تزدهر المؤسسات الحزبية الرسمية، وشبكات الحزب غير الرسمية وتتشعب وتنبض بالحياة. وتستغل الحملات موارد الحزب، ثم يعين السياسيون المنتخبون متخصصين مهيمنين على الحزب. وتهدد وسائل الإعلام المتحيزة حزبيا بتنحية وسائل الإعلام القديمة «المحايدة» كمصدر رئيسي للمعلومات. ومع ذلك لم تتطور أي طقوس أو رموز جديدة للحزب مع تطور مظاهر قوة الحزب الأخرى. ما هو نشيد الحزب الجمهوري؟ ما اليوم الخاص الذي يحتفل به الديمقراطيون؟ التطور الوحيد هو اعتماد اللونين الأحمر والأزرق كلونين ممثلين للحزبين الديمقراطي والجمهوري (ولم يحدث هذا إلا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000. وأعتقد أنه ينبغي احتساب عشق الجمهوريين لرونالد ريغان، رغم أنه عادة ما يتم التعبير عن ذلك إما كمصدر فخر آيديولوجي وإما كمصدر قومي، وليس كمصدر فخر حزبي.

وفي الوقت نفسه، يزعم كثير من الشخصيات ذات التوجه الحزبي القوي أنها ليبرالية مستقلة أو محافظة. وساد، لأي سبب من الأسباب، الخطاب التقدمي المعادي للحزب التابع للمدرسة القديمة رغم أن الأحزاب كمؤسسات كانت في أقوى أوضاعها.

ثم إن هناك حقيقة أخرى تتمثل في إقبال الرؤساء ومرشحي الرئاسة على تبني أسلوب خطاب تقدمي معين؛ مثل ادعاء وودرو ويلسون أنه يتحدث نيابة عن الشعب الأميركي، بمعنى أنه يوصل أصواتهم. واستخدم ويلسون والرؤساء منذ ذلك الحين هذا النوع من الخطاب ضد الكونغرس على وجه الخصوص، على عكس التوجه (المفترض) المحدد القائم على المصلحة للمشرعين الذي من المفترض أنهم يتمتعون بسلطة عالمية على سفينة الشعب.

يمكن للمرء أن يفهم لماذا ينجرُّ الرؤساء لمثل هذا النوع من الخطاب، فأن يقول الرئيس مثلا إنه ينبغي على ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، القيام بما يريده الديمقراطيون شيء، وأن يقول إنه ينبغي على ماكونيل أن يفعل ما يريده الشعب الأميركي شيء آخر. وقد يشعر الرؤساء الذين يقومون بالفعل بحملات عبر أنحاء البلاد، حقا أنهم مرتبطون بـ«الأمة» على نحو لا يشعر به ماكونيل أو جون بوينر، رئيس مجلس النواب، أو هاري ريد، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، أو نانسي بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب. وهذا الادعاء محض هراء، ولم يساعد كثيرا الرؤساء الذين قاموا به (اسأل فقط جيمي كارتر، الذي استخدمه أكثر من أي رئيس آخر في العصر الحديث على الأرجح)، لكن ذلك لم يجعله يختفي.

الولايات المتحدة أمة لديها حزبان سياسيان قويان، لكنها للأسف تقبّلت أفكارا حمقاء مضادة للحزب. لا يستطيع أي شخص القيام بالكثير حيال هذا الأمر، ولا يوجد أي حافز يدفع أغلب قادة الأحزاب إلى المحاولة.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»