الإخوان والمصالحة المصرية ـ القطرية

TT

قد يكون من المبكر معرفة الأثر الحقيقي للمصالحة المصرية - القطرية التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ولما يمضِ عليها إلا يومان فقط، لكن المتوقع أن تهدأ حدة الطرح واللغة الإعلامية المتشنجة في البلدين وهو ما يهيئ جوا صحيا للقاءات مرتقبة لزعيمي البلدين، ويقينا أن أسرع «ترمومتر» لقياس الأثر الآني هو في وسائل الإعلام في البلدين وقناة «الجزيرة» على وجه التحديد، وأما أحد القياسات ذات الأثر البعيد للمصالحة فهو بلا ريب المنطقة الشائكة، أعني علاقة قطر بحركة الإخوان وبقية الفصائل الإسلامية السياسية.

وفي تقديري أن الرسالة المهمة التي يجب أن يقرأها الإخوان المسلمون من المصالحة التي رعتها دولة من الوزن الثقيل مثل السعودية، بغض النظر عن مستقبل المبادرة التي هي بيد مصر وقطر نجاحا أو فشلا، هي في ضرورة المراجعة الجذرية والمؤلمة لسياساتها؛ مراجعة تضع في الاعتبار أن المؤشرات كلها أدت وتؤدي إلى إقرار دولي وإقليمي نهائي باستحقاقات ونتائج 30 يونيو (حزيران) مهما بلغ طول نفس المعارضة المصرية ذات اللون الإسلامي الصارخ بقيادة الإخوان، ومهما تصوروا وأثبتوا وقوع الحيف السياسي عليهم، فلغة الأرقام واستقراء الأحداث والوقائع على الأرض أثبتت أن الزمن الحالي ليس زمنهم كما أشرت في المقال السابق، فالخيارات التي أمامهم ضاقت كثيرا كما ضاقت على حلفائهم الذين يتعرضون لضغوط سياسية قوية، ولم يبق من الدول العربية والإسلامية بل كل دول العالم من يعارض النظام الحالي، طبعا بعد التيقن من نجاح مبادرة الصلح بين قطر ومصر، إلا تركيا التي يتوقع أنها لن تقاوم إلى النهاية وسيكون لها قراءة معدلة للمشهد السياسي بعد التحول القطري.

إن مراجعة الإخوان لموقفهم من مصر لا يصب بالضرورة في صالح خصمهم السياسي فحسب، بل هم أيضا مستفيدون، فهم إذا أقروا أن الزمن ليس زمنهم فهذا يفرض على الإخوان أن تكون المرحلة الحالية والقادمة مرحلة مراجعات كبرى وعمليات جراحية تضع في الحسبان أن ما في أدبياتهم وأنظمتهم، الجماعة والبيعة مثلا، ليست نصا من القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنها فرصة لمراجعة سياساتهم التي أدت إلى هذه الإخفاقات، ولا يصح أبدا التعويل دائما على العوامل الخارجية (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ).

ولو أن إردوغان بنى استراتيجياته السياسية على تعليق الإخفاقات على مشجب الخصم ومن ثم العمل على تحطيمه وإفشاله، واتكأ على نظرية بطلان أي نظام يقوم على أنقاض نظام ديمقراطي منتخب، وهو ما حدث مرارا في تركيا، وظل يصارع حكم العسكر بالمظاهرات والاعتصامات والمسيرات بدعوى انقلابهم على حكومات منتخبة، لما حقق هو ورفاقه هذه الإنجازات السياسية اللافتة، ولو أن إردوغان لم يقد التغيير داخل جماعته التي كان يسيطر عليها أستاذه (المرشد) أربكان الذي كان يقودها بعقلية الأستاذية وهيمنة الشخص الواحد، لما رأينا تيار إردوغان يقود عملية سياسية وتنموية جعلت من تركيا لاعبا سياسيا واقتصاديا كبيرا، لا بد أن يدرك الإخوان، خاصة شبابهم، أن النجاح الذي حققه إردوغان لبلاده بدأ من نجاحه في إحداث تغييرات كبرى داخل جماعته.