الغوريلا وحماقات البشر

TT

طريق مصر إسكندرية الصحراوي، مشروع ترفيهي، أفريقيا مصغرة، أجزاء من غابة صغيرة الحيوانات فيها مطلقة السراح، بحيرة صناعية كبيرة، مراكب صغيرة تطوف بشاطئ البحيرة لترى الحيوانات عن كثب، بالقرب من الغوريلا يمر أحد المراكب، قائد المركب أو للدقة «المراكبي» يقذف بسيجارة مشتعلة على الغوريلا التي تتراجع منزعجة بعد أن وقع عليها عقب السيجارة المشتعلة، المراكبي يضحك في انتصار بعد أن تمكن من إزعاج الغوريلا، مهمته لم تنته بعد، أمسك بجردل وملأه بالمياه وألقاها على الغوريلا، وهنا تكون قدرة الغوريلا على التحمل قد ضعفت تماما ولم يعد لها وجود، ففقدت أعصابها وقفزت على المركب بين صيحات الفزع من الزبائن، أمسكت بالمراكبي و«قضمت» رأسه وهو اللفظ الذي اختارته جريدة «المصري اليوم» التي نشرت الخبر. اكتفت الغوريلا بمهاجمة المراكبي غير أن الركاب استولى عليهم الفزع فهاجموها مستخدمين عددا من الكراسي إلى أن تمكن العاملون من إعادتها إلى مكانها. لدينا هنا بطلان للقصة، حيوان وإنسان.. ترى من منهما الحيوان ومن منهما الإنسان..؟ من كان المعتدي ومن كان الضحية..؟

لا أعتقد أن المراكبي ستتاح له الفرصة مرة أخرى لمضايقة الغوريلا أو أي حيوان آخر غير أنه بأفعاله غير المتحضرة في إيذائها يفتح الباب لسؤال مهم، هل كان على وعي بأن ضحيته ستأتي عليها اللحظة التي تفقد فيها أعصابها وتهاجمه.. أم أنه كان على ثقة من أنها ستتحمله إلى الأبد..؟

أرجو ألا تدهش عندما أقول لك إنه طول الوقت كان يعمل على الوصول إلى النقطة التي تعتدي فيها عليه الغوريلا. هو يبحث عمن يعاقبه ولقد اختارها لتعاقبه. هذا هو أهم ما تتسم به الشخصية السايكوباتية المتطرفة. هو يبحث عن العقاب الذي لم توفره له السلطة الوالدية المتمثلة في الأب والأم. استمع جيدا للمصطلحات الشعبية في وصفها لشخص عديم التربية «الواد ده عاوز حد يربيه».

في غياب التربية الصحيحة من الأب والأم يظل الطفل جائعا للعقاب ولا يرى طريقة لتحقيق هذا العقاب إلا بالعدوان على الآخرين. في كثير من القضايا الجنائية يتضح أن الضحية حاصرت الجاني حصارا محكما ولم تترك له أية فرصة للإفلات إلى أن أوصلته لما نسميه «الدافع الذي لا يقاوم - Irresistible motive».. هذا هو بالضبط ما حدث مع الغوريلا، لقد حاصرها المراكبي بأفعاله المؤذية في إصرار إلى أن أفقدها أعصابها فهجمت عليه وقضمت رأسه.

يمكن تفسير أحداث كثيرة تحدث لنا وحولنا بأن أصحابها يبحثون عمن يعاقبهم كبديل متأخر عن العقوبة الوالدية. عندما يقدم تنظيم سياسي أو ديني متطرف على خطف وقتل شخص واحد أو اثنين أو ثلاثة من خصومه، فاعرف أن هدفه هو أن يدفع أعداءه لأن يقتلوا من أهله عدة آلاف.

[email protected]