المشهد الاقتصادي الجديد!

TT

علامات التحول الجديد تتشكل وتتواصل على الساحة الاقتصادية العالمية. البترول يهبط إلى مستويات جديدة ويبدو على الأرجح، تقديرا، أنه سيستقر على هذا المستوى السعري لفترة غير قصيرة، وهو في ذلك يتبع أيضا مصير السلع الرئيسية الأخرى التي شهدت هبوطا متواصلا ليكوّن مستويات جديدة.

والصين لا تزال تمارس دورها الرئيسي «كورشة» إنتاج لاستهلاك العالم مع استمرار تدفق مصانعها بأرخص الأسعار لمختلف البضائع والمنتجات، ولكن «النمو» الصيني يتقلص قليلا مع وجود مناطق هشة، بل وحتى سلبية النمو، مثل القارة العجوز أوروبا، وهذا الركود الأوروبي اندفع بقوة باتجاه العملة الموحدة لها (اليورو) لتستمر في هبوطها الشديد أمام العملة الأميركية (الدولار) بالغة مستويات لم تصل إليها منذ 9 سنوات.

وسط كل ذلك هناك علامات لتطور وتحسن ونمو الاقتصاد الأميركي وتعافيه مجددا، ويظهر ذلك الأمر في تحسن مؤشرات البطالة وارتفاع معدلات التوظيف وتحسن معدلات بيع قطاعات التجزئة والازدياد الملحوظ في الصادرات الأميركية واستمرار «تحسن» سعر الدولار وتطور معدلات بيع المنازل والعقار.. كل ذلك أدى لتحسن هائل وعظيم في أداء البورصات المالية الأميركية، وشهدت هذه الأسواق المالية موجة مهمة وناجحة للغاية من الاكتتابات الأولية أعطت للأسواق وللاقتصاد دفعة هائلة.

ومن أهم ملامح التغير الحاصل أن أميركا بدأت تستعيد القليل من الزخم القديم الذي كان لديها في مجال الصناعات التقليدية التي خسرتها لصالح دول العالم الثالث الآسيوي، مثل الصين وكوريا وفيتنام وتايوان وماليزيا وتايلاند والفلبين، فهي اليوم لديها بعض الجيوب في الولايات الفقيرة جدا مثل أركنسو ومسيسبي وكارولينا الجنوبية تمكنت من أن تفتح مصانع أثاث وإلكترونيات وملابس تبلغ فيها تكلفة سعر العامل في الساعة الواحدة أقل منها في الدول الآسيوية. هناك تركيز قوي جدا من الصين والهند وأميركا وفرنسا وتركيا على الأرض الموعودة اقتصاديا، وهو الوصف الذي دأب عليه الساسة والاقتصاديون لوصف القارة السوداء أفريقيا، والنمو الحاصل في هذه القارة أقرب للخيال، فهو في بعض الأحيان يبدأ من الصفر، ولكن الصراع الهائل على الكعكة الموعودة لا يمكن إنكارها. القطاع النفطي يتنافس عليه الكبار من شركات البترول الصينية والأوروبية والأميركية وكذلك شركات الاتصالات والمصارف والمقاولات والطاقة، كان من الممكن والمفروض أن تكون روسيا ضمن هذه الدول التي لها طموحات وأهداف وآمال في الكعكة الاقتصادية الأفريقية ولكن الواقع الجديد الذي حصل لها يجعل من ذلك الطموح مسألة بعيدة المنال. فالعقوبات الاقتصادية التي تعرضت لها روسيا كبلتها بشكل واضح ودمرت عملتها بشكل هائل ولم يعد من الممكن أن تحقق الطموحات التي كانت تحلم بها على المدى القصير أبدا.

البترول سيضخ بكميات هائلة وسندخل معه عصر ومرحلة الطاقة الرخيصة، وستكون مرحلة العرض الذي يفوق الطلب. وكعادة أي تغيير جذري يحصل، هناك أطراف تستفيد منه، ابحث عن المستفيد لتعرف ما هي القطاعات والصناعات التي ستزدهر في المرحلة المقبلة لأننا على وشك الدخول في مشهد مختلف تماما عما سبق.