البحث عن شيء لا وجود له

TT

وبدأت في مصر رحلة البحث عن شيء لا وجود له يسمى «تجديد الخطاب الديني». ولا أحد يعرف على وجه التحديد، عند أي مرحلة من الطريق سنكتشف أن تكليف أصحاب الخطاب الديني بتجديده، أمر يعجز عنه البشر ليس لصعوبته بل لاستحالته. هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى، العلة التي نشكو منها ليس لها صلة بالفكر الديني. بل بالأفكار الدنيوية. علتنا خاصة بالدنيا وليس بالدين بمعنى أوضح هي مشكلة سياسية أرضية نجح أصحابها والمتعيشون منها في إلباسها عباءات سماوية حجبت عنا شمس الحقيقة. لا توجد على الأرض طريقة تقنع بها متطرفا مخبولا بأن يمتنع عن وضع قنبلة في حديقة أو وسيلة مواصلات عامة. هو إرهابي ليس لأنه يؤمن بأفكار قديمة علينا أن نقوم نحن بتجديدها، هو إرهابي لعجزه أصلا عن التفكير الحر. مصادر اللذة داخل جهازه النفسي انحصرت في الفتك بالآخر، أي غريزة العدوان، هذا هو بالضبط ما يمتعه. أي محاولة لمنعه من الاستمتاع بذبحك، أمر يعذبه أشد العذاب.

قد يدهشك أن تعرف أن كلمة «الخطاب» التي نستخدمها الآن لم يكن لها وجود منذ 50 عاما. أما كلمة تجديد وخاصة عندما نستخدمها في الشأن الديني، فكانت تستخدم لوصف أساتذة أجلاء ثاروا على سابقيهم وأخذوا على عاتقهم مهمة العودة إلى منابع صافية في الشأن الديني. لم يطلب منهم أحد ذلك، ولذلك نصفهم بأنهم مجددون. غير أنك لو أمعنت النظر في مهمتهم وما أنجزوه من أفكار، ستكتشف بعد قليل أن مكانهم هو خانة المصلحين الاجتماعيين. هم أيضا اشتبكوا مع الدنيا وما فيها من متاعب، وهو ما نسميه السياسة.. أريدك أن تلقي نظرة سريعة على بلدان المنطقة، لماذا نجت السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن من السقوط في حفرة الإرهاب التي وقعت فيها العراق وسوريا وليبيا والمكونات عند الجميع واحدة..؟

الإجابة هي: القدرة على الوصول إلى مرفأ الدولة الحصين، أي الدولة الوطنية، في غياب الاقتناع العام بفكرة الإخلاص للدولة الوطنية، لا توجد أوطان ولا يحزنون. ستوجد فقط جماعات من القتلة والمقتولين والمصابين المشوهين والمشردين في بلاد أناس يمدون أيديهم بالسؤال. وبذلك تكون علتنا التي يجب أن نبحث لها عن دواء، سياسية في الدرجة الأولى. كل من لا يلتزم بالقانون والدستور، كل من لا يظهر احترامه للدولة الوطنية، هو عدو لها ويتم التعامل معه على هذا الأساس.

من الأمور الطريفة في حياتنا العامة، فكرة القوافل. وخاصة الدينية بوجه عام بافتراض أن الهدف منها هو التنوير والاستنارة. الفكرة قديمة ألغتها وسائل العصر الحديثة. أنت لا تصل إلى الناس عن طريق القوافل، بل عن طريق شاشات التلفزيون. وبالمناسبة، أنت لا تصل إلى قلوب الناس عن طريق الوعظ إلا في حالة واحدة، وهي أن تمتعهم بأكبر قدر من سرد الخرافات. أما إذا أردت أن تصنع منهم بشرا نبلاء فعليك بتعليمهم تعليما جيدا.

مشاكلنا لا وجود لها على أرض الدين، إنها مشاكل سياسية. جددوا الخطاب السياسي.

[email protected]