دعوة في وقتها

TT

دعوة المسلمين إلى التخلي عن مواقف المقاطعة وزيارة القدس التي تحوي المسجد الأقصى، أحد مقدسات المسلمين، ليست جديدة؛ فقد أطلقها من قبل مسؤولون فلسطينيون سياسيون ودينيون، دون أن تجد صدى، فلا تزال الزيارات محدودة للغاية، ليس فقط للمسلمين، ولكن حتى بالنسبة إلى المسيحيين العرب الذين لديهم أيضا مقدساتهم هناك، ولا يذهبون بسبب أنهم سيضطرون إلى أخذ تأشيرة الدخول من إسرائيل.

هذه المرة الدعوة تكتسب زخما من طبيعة وثقل الجهة التي أطلقتها، وهي منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة، وطالب أمينها العام، إياد مدني، المسلمين بزيارة القدس بعشرات الآلاف، الأمر الذي رحب به الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وهي تأتي أيضا في توقيت مهم سياسيا تدل فيه الشواهد على أن القضية الفلسطينية قد نضجت لحل سياسي.

الشواهد لا تخطئها عين، فالعالم قد مل هذه الدوامة من العنف والعنف المضاد، التي تخلق وضعا متوترا بشكل مستمر في منطقة الشرق الأوسط، ومعاناة إنسانية لا يستطيع أحد تجاهلها على الجانب الفلسطيني، كما أن العالم مل التعنت والمماطلات الإسرائيلية في قضية الدولة الفلسطينية، ومحاولة ابتلاع المزيد من الأراضي.

فاعترافات البرلمانات الأوروبية الأخيرة بالدولة الفلسطينية، رغم رمزيتها، تشكل في جانبها المعنوي إشارة بالغة الأهمية للقناعة الدولية التي تبلورت بأنه قد طال الوقت المفترض أن تكون قد قامت فيه الدولة الفلسطينية، ويمكن وضع الجولات المكوكية في العام الماضي لوزير الخارجية الأميركي لإيجاد تسوية في إطار هذه القناعة، رغم فشلها وانتهائها بتوتر إسرائيلي - أميركي.

قد يكون الفلسطينيون فشلوا حتى الآن في تحركهم في مجلس الأمن، لكن ذلك لا يلغي أن إسرائيل لن تستطيع الاستمرار إلى ما لا نهاية في المماطلة واختراع العقبات، حتى لا تُلزم بحل نهائي.

هذا الزخم السياسي دوليا يحتاج إلى ما يدعمه بطرق أخرى، مثل دعوة المسلمين لزيارة القدس، لأن ذلك سيخلق وقائع جديدة على الأرض.

لكن هذه الدعوة الجديدة ستضيع في الهواء مثل سابقاتها ما لم تجد متابعة سياسية حقيقية مصحوبة باتفاقات حول إجراءات عملية عن الكيفية التي ستجري بها هذه الزيارات، ومن الذي سيتولى إصدار التأشيرات لزيارة المسجد الأقصى والقدس، وهي مسألة، لو توفرت الإرادة السياسية لها، يمكن أن تجد حلولا عملية، وتستطيع منظمة التعاون الإسلامي أن تلعب دورا رئيسيا فيها، باعتبارها المنظمة التي تجمع سياسيا دولا تضم نحو مليار مسلم ترتبط بالمسجد الأقصى.

لا نقول إنها مسألة سهلة، فالدعوات السابقة لفتح الزيارة إلى المسجد الأقصى قوبلت برفض سياسي شديد، باعتبار أن ذلك سيشكل تطبيعا مجانيا مع إسرائيل دون ثمن سياسي أو مقابل له على صعيد القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة، وهو منطق لا يمكن تجاهله، وله وجاهته، باعتبار أن أي اتفاق في هذا الشأن لا بد أن تكون إسرائيل طرفا فيه، بحكم الوقائع على الأرض والاحتلال، بينما لم تقم بعد الدولة الفلسطينية.

هي مسألة ليست سهلة سياسيا وإجرائيا، وستكون تغييرا جذريا لو حدثت، لكن تواتر الدعوات، خاصة من الجانب الفلسطيني صاحب المصلحة الرئيسية، يظهر أنه ربما تكون الإيجابيات أكثر من أي سلبيات يراها أصحاب وجهة نظر الخوف من التطبيع.

الإيجابيات ربما يكون أهمها فتح الباب أمام فرص هائلة من الأعمال، نتيجة السياحة الدينية التي ستحدث لأهالي القدس الشرقية، التي تتآكل يوما بعد يوم، ومن شأن ذلك مساعدتهم على البقاء، وفتح فرص الازدهار أمامهم. أما الجانب الآخر الذي سيكون له تأثيره الدولي المهم، فهو ترسيخ صورة القدس كمدينة للأديان الـ3 الرئيسية حق فيها، وفيها المسجد الأقصى الذي يخص مليار مسلم، وبالتالي فإن أي ترتيبات سياسية أو اتفاقات يجب أن تراعي حقوق هؤلاء المليار. والزيارات ستخلق الديناميكية التي تدفع لخلق هذه الترتيبات السياسية التي يجب أن يستفيد منها الفلسطينيون، والأهم وضع ثقل المليار مسلم وراء الحل.