رؤساء أميركا والاقتصاد

TT

فجأة، أو هكذا يبدو الأمر، أصبح الاقتصاد الأميركي في صورة أفضل. ورغم أن مؤشرات إيجابية كانت متوافرة منذ فترة، فإن علامات التحسن الآن أصبحت واضحة بحيث لا تخطئها العين - مثل تنامي أعداد الوظائف، وتسارع نمو إجمالي الناتج الداخلي وارتفاع مستوى الثقة العامة.

ما حجم النفوذ الحقيقي الذي يملكه قائد البيت الأبيض بالمجال الاقتصادي على أي حال؟ الإجابة المعتادة من خبراء الاقتصاد عن هذا التساؤل، خاصة عندما لا يجري استغلالهم سياسيًا، هي: ليس كثيرا. لكن هل يختلف الأمر هذه المرة؟

ولتفهم السبب وراء سعي الخبراء الاقتصاديين عادة للتقليل من أهمية الدور الاقتصادي للرؤساء، دعونا نعد النظر في حقبة من التاريخ الأميركي نُسج حولها كثير من الأساطير: وهي فترة الركود والتعافي في ثمانينات القرن الماضي.

داخل صفوف اليمين، يجري تذكر الثمانينات باعتبارها عصر المعجزات التي تحققت على يد رونالد ريغان الذي خفض الضرائب وأتقن فن إدارة الأسواق، وقاد الأمة نحو تحقيق مكاسب على صعيد عدد الوظائف لا يضاهيه أي إنجاز مشابه سابق أو لاحق. في الواقع، إن الـ16 مليون وظيفة المضافة داخل أميركا خلال سنوات رئاسة ريغان تزيد قليلا فقط على الـ14 مليون وظيفة المضافة خلال السنوات الثماني السابقة لرئاسته. وخلال عهد رئيس لاحق - يدعى بيل على ما أتذكر - جرى خلق 22 مليون وظيفة، لكن من يهتم بإحصاء ذلك؟

بيد أنه على أي حال، فإن التحليلات الجادة للأوضاع الاقتصادية في فترة رئاسة ريغان لا تولي اهتماما كبيرا بريغان ذاته، وإنما تؤكد بدلا من ذلك على دور هيئة الاحتياطي الفيدرالي التي أقرت السياسة النقدية وتعد مستقلة لحد كبير عن العملية السياسية. في مطلع الثمانينات، أبدت هيئة الاحتياطي الفيدرالي تحت رئاسة بول فولكر عزمها على معدلات التضخم، حتى ولو كان الثمن فادحا. وبالفعل، زادت الهيئة من صرامة سياساتها، مما دفع معدلات الفائدة لارتفاعات هائلة، وتجاوزت معدلات الرهن مستوى 18 في المائة. وأعقبت ذلك حالة ركود حاد دفعت معدلات البطالة نحو الارتفاع البالغ، لكنها في الوقت ذاته كسرت دورة الأجور والأسعار.

بعد ذلك، قررت هيئة الاحتياطي الفيدرالي أن أميركا عانت بما فيه الكفاية. وعليه، خففت من شدة القيود التي فرضتها، مما دفع معدلات الفائدة نحو انخفاض شديد، بينما اشتعلت أسعار المنازل. وبدأ الاقتصاد في استعادة عافيته. ونال ريغان الإشادة والتقدير لـ«الصباح الذي بزغت أنواره في أميركا»، بينما كان فولكر المسؤول الفعلي عن كل من الركود والازدهار.

خلاصة القول أنه عادة ما تكون هيئة الاحتياطي الفيدرالي، وليس البيت الأبيض، المتحكم في الاقتصاد. الآن، هل ينبغي أن نطبق القواعد ذاتها على فترة رئاسة أوباما؟ ليس تماما.

الواضح أن هيئة الاحتياطي الفيدرالي مرت بفترة عصيبة في محاولة استعادة المسار السليم في أعقاب الأزمة المالية عام 2008، نظرا لأن الفقاعة الضخمة في الإسكان والرهن تسببت في فقدان الإنفاق الخاص قدرته على الاستجابة نسبيا لمعدلات الفائدة. خلال تلك الفترة كانت السياسة النقدية بحاجة للمساعدة بالفعل عبر زيادة مؤقتة في الإنفاق الحكومي، مما يعني أن الرئيس كان بإمكانه خلق اختلاف كبير. وقد فعل ذلك لبعض الوقت سياسيا، فرغم أن المحفزات التي أقرها أوباما ربما كانت فاشلة، تعتقد الغالبية العظمى من الخبراء الاقتصاديين أنها أسهمت في التخفيف من حدة التراجع.

ومن ذلك الحين، عمدت المعارضة الجمهورية التي تتبع سياسة الأرض المحروقة إلى محو آثار الجهود الأولية. في الواقع، عند تعديل الإنفاق الفيدرالي بحيث يؤخذ في الاعتبار نمو التضخم وزيادة السكان، فإنه يعد أقل حاليا عما كان عليه وقت تولي أوباما الرئاسة. وخلال الفترة ذاتها من رئاسة ريغان، كان أعلى بنسبة تفوق 20 في المائة.

في الواقع، نجح أوباما في خلق اختلاف كبير من ناحية أخرى، ذلك أنه رغم مرور هيئة الاحتياطي الفيدرالي بفترة عصيبة بحثا عن المسار الصحيح، فإنها بذلت على الأقل بعض الجهود لتعزيز الاقتصاد - وقد فعلت ذلك رغم الهجمات الشرسة التي تعرضت لها من المحافظين الذين كالوا لها الاتهامات مرارا بـ«الحط من قدر الدولار». من دون حرص أوباما على الحفاظ على استقلالية الهيئة، ربما كانت ستتعرض لضغوط تجبرها على رفع معدلات الفائدة، الأمر الذي كان سيؤتي بنتائج كارثية. وبذلك ساعد الرئيس بالفعل بصورة غير مباشرة الاقتصاد.

وأخيرا وليس آخرا، حتى لو كنت تعتقد أن أوباما لا يستحق سوى القليل من الإشادة، أو لا يستحق إشادة على الإطلاق عن الأنباء الاقتصادية السارة، تبقى الحقيقة أن خصومه قضوا سنوات في الزعم بأن توجهه الرديء - حيث عرف عنه التلميح من وقت لآخر إلى أن بعض المصرفيين أساءوا التصرف - تسبب بصورة ما في إلحاق الضعف بالاقتصاد. الآن، تشهد فترة رئاسته تعافيا اقتصاديا غير متوقع، ومع ذلك قلب خصومه منطقهم، واعتبروا أنه لا دور له في الأمر.

إذن يبقى التساؤل: هل الرئيس مسؤول عن تنامي عجلة التعافي الاقتصادي؟ لا. ومع ذلك، هل يمكننا القول بأننا نبلي بلاء أفضل عما كان سيصبح عليه الحال لو أن الحزب الآخر كان هو المهيمن على البيت الأبيض؟ نعم. هل يبدو الآن أولئك الذين ألقوا باللوم على أوباما عن جميع مصاعبنا الاقتصادية مجموعة من الحمقى والمخادعين؟ نعم، وذلك لأن هذه حقيقتهم.

*خدمة «نيويورك تايمز»