ذكريات

TT

لا أعرف من قال إن الذكريات الجميلة تشبه سربا من الطيور المهاجرة التي لا يمكنك الإمساك بها أو صيدها، لكن يمكنك الاستمتاع بتحليقها في السماء.

هناك من يعيش على ذكرياته وعلى ما حدث في حياته بكل ما فيها من أحزان وأفراح، بينما هناك من يتعامل مع الذكريات على أنها ماض يجب نسيانه، بل ويتبرأ منه.

ليست كل الذكريات اليوم عند كل البشر ذكريات مؤلمة وذكريات مفرحة.

فعندنا ذكريات حزينة لا نستطيع نسيانها مهما فعلنا، بل ربما نذرف الدموع الغزيرة عندما نتذكر، وعندنا الذكريات الجميلة التي تجعلنا نبتسم أو نضحك بصوت عال عندما نتذكرها.

غير أن المؤلم اليوم أن الكثير من البشر لا يتذكرون سوى مآسيهم السابقة ومصائبهم التي مرت عليهم في حياتهم، ولا يتذكرون سوى تجاربهم المؤلمة وصداقتهم التعيسة وأعمالهم التي لم تحقق لهم أي طموح سوى الخيبة والانكسار.

وهؤلاء لا يتذكرون من حياتهم سوى بؤس الطفولة وفقر العائلة والحرمان الذي عانوا منه طوال تلك الأيام. وعندما يتذكرون سنوات المراهقة والشباب الأول لا يتذكرون سوى إخفاقات طموحاتهم، وفشلهم في الحب الأول والدراسة مثلا، وعدم استطاعتهم تحقيق أحلامهم التي اكتشفوا أنها غير قابلة للتحقيق.

أما المتفائلون اليوم، وهم مع الأسى الشديد قلة، فالذاكرة تمنحهم القدرة على تذكر كل الذكريات السعيدة التي عاشوها. فهم يتذكرون أيامهم الحلوة في المدرسة الابتدائية وبراءتهم وشقاوتهم في الطفولة، ثم تقفز بهم الذاكرة إلى أيام المراهقة والشباب فيتذكرون أيام الحب الأول والفتاة الأولى التي دخلت قلوبهم. أيضا يتذكرون حماسهم الشديد وطموحاتهم التي لا تنتهي عندما بدأوا العمل، والرواية الجميلة الأولى التي قرأوها.

نتذكر ونتذكر لأننا نحتاج أحيانا إلى إيقاظ ذاكرتنا، وتذكير أنفسنا بأن الحياة ذاكرة لا نحاول إطلاقا أن ننساها مهما كانت مؤلمة، لسبب بسيط واحد وهو أنها كانت تجارب حياة خضناها ونحن مؤمنون بها مهما كانت النتيجة خطأ أو صوابا، بل وكان من الضرورة أن نخوضها مهما كان ألمها وفرحها، غير أن المهم هو أن نتعلم منها.

الذكريات هي الحياة بحلوها ومرها.