إرهاب جديد.. مرة أخرى!

TT

حادث إرهابي جديد، ضحايا جدد، نفس الأشكال.. نفس الوجوه.. نفس اللغة «المدافعة» عن الدين.. و«نفس» اللغة «المبررة» للهجمات الدموية. المشاهد تتكرر كل مرة كالأسطوانة المشروخة. حادث إرهابي، أبرياء يقتلون، وجوه عليها غبرة تخرج لتتبنى العملية وتقدم تبريراتها وأدلتها، ويخرج علماء ومشايخ ودعاة ورجال دين لتوضيح بالأدلة والبراهين، أن «هذا ليس الإسلام»، و«هؤلاء لا يعبرون عن الدين»، وأن «الإسلام دين رحمة وسلام»، وأيضا يخرج آخرون على النقيض تماما وعلى العكس تماما ليقولوا: «إن هذا ليس بعمل إرهابي» و«هذا له ما يبرره»، وإن «من سقطوا هم كغيرهم ممن سقطوا من عندنا»، وهم كما يتضح ليسوا بالقليل.

وهناك الفئة الغامضة المريبة التي تلتزم الصمت، فلا تنطق بكلمة حق وتسكت عنه. كل ذلك يبعث برسائل متناقضة وشديدة الريبة. والواضح جدا أن كل فريق بنى وجهة نظره على «فتاوى» و«آراء» تحولت مع الزمن إلى «موقف مقدس» ونص غير قابل للجدال له مقام ومكانة هي أقرب للمنزل منها إلى المنقول.

كذلك طغت كلمات تم تبادلها عبر الإنترنت والوقت لإضفاء الشرعية والمكانة المقدسة على «الرأي الشرعي»، فيكون مصاحبا له «هذا ما اتفق عليه جمهور العلماء»، و«هذا ما أجمعت عليه الأمة»، و«هكذا قال السلف الصالح»، و«هذا رأي شيخ الإسلام»، و«لا تجادل فإن لحوم العلماء مسمومة»، وغير ذلك من الديباجة التي تعطي للرأي «المناعة» الفكرية فتكون بمثابة «تطعيم» ضد التفكير والنقاش والجدال بالتي هي أحسن ومحاولة المقارعة الحجة بالحجة تماما، كما كان يفعل جهابذة العلماء وكبار الفقهاء في العصور الذهبية للفقه والعلوم الشرعية والاجتهاد بمختلف أشكاله وأنواعه.

اليوم سقطت الحجج الضعيفة واصطدمت بشعار «الإسلام دين رحمة وسلام ومحبة ووسطية وتسامح وتعايش»، فكل عمل يناهض هذا الشعار مرفوض، ومرفوض معه من يتبناه ويبرر الجرائم والدماء التي تأتي معه.

حجم «الغث» الموجود في عدد غير قليل من أمهات الكتب والتي تعتمد في التعلم والتعليم وتستخدم كمراجع شرعية وفيها من الأقاويل التي تشكك وتكفر عقائد الآخرين من المسلمين أنفسهم قبل الذين يخالفونهم في الدين، فهذا هو النهج التكفيري العقيم الذي يتبنى فكرة أن «عقيدتي أنقى من عقيدة غيري»، والعجب أن كلمة «العقيدة» لم تأتِ في القرآن الكريم ولا في الحديث الشريف، على صاحبه أطهر صلاة وأتم تسليم، ولا على لسان الخلفاء الراشدين الأربعة، رضوان الله عليهم، ولا على لسان أصحاب المذاهب الأربعة. هي كلمة مستحدثة ومبتدعة وكأنها جهاز أشعة للاطلاع على ما في الصدور وإقرار من هو أقرب إلى الله من غيره، وهي الفكرة التي مكّنت البعض من الادعاء على أبي حنيفة النعمان، أول الأئمة، والإمام النووي، والإمام أبي حامد الغزالي، على سبيل المثال، بأن بهم «خللا في العقيدة».

إننا أمام محنة عظيمة، ولم يعد من المجدي التبرير والاعتذار دون التطهير الكامل للغث الموجود في بعض الآراء، والتي تحوّلت إلى نتائج مؤسفة نعيش نتائجها على المستوى اليومي.

مطلوب مواجهة الموقف والكف عن اللغة الاعتذارية والتبريرية، فهي لم «تعد» تنفع ولا تقنع أبدا.