أبوة جميلة

TT

كانت أمنية المفكر والكاتب المصري الشهير سلامة موسى هي أن يعيش مائة عام وأن يموت وعلى صدره كتاب.

ومع أن أمنية موسى لم تتحقق كما أراد، إلا أن هذا الرجل العبقري لا يزال يعيش معنا بأفكاره وكتاباته الجميلة. وبجانب تلك الأفكار والكتب التي ألفها في حياته كان موسى من الكتّاب القلائل الذين كانت كتاباتهم تتسق مع حياتهم، وأفكارهم مع مواقفهم.

ولعل من أجمل تلك المواقف هي رسائله التي كتبها إلى ابنه رؤوف عندما كان طالبا في لندن بنهاية الخمسينات، التي نشرها الابن فيما بعد في كتاب جميل عن والده سماه «سلامة موسى.. أبي».

ففي إحدى الرسائل يكتب موسى إلى ابنه، مثلا: «أنا أطالبك بالحصول على شهادتين؛ الأولى في التكنولوجيا والثانية هي شهادة التمدن».

وفي رسالة أخرى يكتب: «ما زلت أستغرب أنك لا تقرأ كتبا إنجليزية. أريدك أن تتغير يا رؤوف إلى أعلى وألا يمر عليك أسبوع دون أن تقرأ كتابا. أنا حين كنت بإنجلترا كنت أقرأ 3 أو 4 كتب كل أسبوع في المتحف البريطاني. يجب أن تعيش طيلة عمرك، ولك غرفة تحتوى ألف أو 3 آلاف كتاب على الأقل، تقرأها في الليل والنهار وتتعرف بها على ما يجدّ في الثقافة».

وفي رسالة طريفة يشتكي فيها من بذخ ابنه يقول: «وجدت تحت سريرك مخزونا من الأحذية الجيدة يكفيني إلى يوم وفاتي، وأنا أمرح فيها كل يوم في لون جديد. ما كان أعجبك يا رؤوف تشتري كل هذه الأحذية ولا تبالي بفلوس أبيك تندلق منه بلا حساب!».

ويقول في رسالة أخرى: «لا تنس أن تأكل بيضتين كل يوم في الفطور، وأرجو أن تتجنب الأطعمة المعلبة».

ويسأل سلامة موسى ابنه رؤوف بطريقة ساخرة: «كم كتابا قرأت منذ سفرك من مصر؟ أم أن الكتب تؤلف لغيرك؟ يجب أن تكون ثريا يا رؤوف.. ليس في المال فقط، بل في الثقافة والفن والعلم والحب والصداقة، لأن ثروة واحدة لا تكفي الرجل العصري».

وعن نفسه يقول موسى: «صحتي حسنة جدا، لا أشكو من شيء، وسأبدأ الـ70 في 4 يناير (كانون الثاني) القادم، ولكن لا تنس أني سأبدأها فقط، أي إنني لم أتم الـ70. وأنا أكتب وأخرج في الصباح، أما بعد الظهر فالنوم والقراءة فقط، وقلّ أن أخرج في المساء».

ويشكو إلى ابنه بعض الهموم، فيقول: «كتب العقاد كلمة سبني فيها، فلما كتبت الرد في يوميات الأخبار حذفه الرقيب. وهذه هي الحرفة التي تفكر في أن تلتحق بها. لا تدخل الصحافة، ليس هذا أمرا، وإنما هو نصيحة».

كم كان سلامة موسى أبا جميلا!