الشبشب ضاع!

TT

بينما كانت الفتاة تقوم بغسل ملابسها فوق سطح منزلها كانت تتعمد مغازلة جارها المعجبة به. وعبر محاولات إغراء كثيرة له لجذب انتباهه لكي يقع في غرامها، ومن ثم يقوم بالزواج منها بأسرع طريقة ممكنة، وتخلف منه صبيان وبنات.

وطوال فترة الغسيل التي تمتد إلى نحو ربع ساعة قضتها في الغسيل والمغازلة في وقت واحد كان الشاب لا يعيرها اهتماما ولا يعرف شيئا عن تلك الفتاة التي راحت تغني بعد أن نال من قلبها من الحزن:

«أحمد الشبشب ضاع

أحمد عايزاك تأدبني

أحمد فين المأذون

أحمد عايزاه بجنون

أحمد مأذون وهندخل».

سمعت الأغنية وأنا أسير قبل يومين بقرب من مقهى شعبي في وسط القاهرة ولم تصدق أذناي ما تسمع. بل العجيب أننى وجدت جمهورا أيضا يصفق ويطرب وهو سعيد بالأغنية، والكل يردد: أحمد الشبشب ضاع.. أحمد.. أحمد!

تصورت للوهلة الأولي أن الأغنية تتحدث عن بطل قومي أو شهيد قضى أثناء تأدية واجبه الوطنة أو حتى بطل في كرة القدم، لكن كل توقعاتي خابت عندما اكتشفت متأخرا أنها اغنية لمطربة جديدة انتشرت بسرعة، وانتزعت الزعامة من المطرب الشعبي المعروف أحمد عدوية والآخر شعبان عبد الرحيم الشهير بـ«شعبولا»!

بالذمة هل هذه أغنية؟ هل هذه كلمات؟

كانت المطربة الجميلة فيروز تغنى يوما «اعطني الناي وغنى فالغناء سر الوجود». لكن ما نقول اليوم في الغناء العربي الذي أصبح الكثير منه سر التفاهة. فمعظم الأغاني العربية في السنوات الأخيرة مجرد هباب وأصوات قبيحة وكلمات سخيفة يستحي الإنسان حتى من ترديدها.

ذهبت أيام الأمجاد، أيام أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد وغيرهم، وذهبت معهم تلك الأشعار الجميلة لكبار الشعراء العرب القدامى والحديثين أمثال نزار قباني وأحمد رامي وأحمد شوقي وأبو فراس الحمداني وعمر الخيام وجورج جرداق وحافظ إبراهيم وبيرم التونسي.

مات نصف قرن أو أكثر من الغناء العربي الجميل بفضل «شبشب» طردهم من آذاننا بغير رجعة.