مجزرة «شارلي إيبدو» والـ«لكن» الخبيثة

TT

هل عموم الرأي العام العربي والمسلم هو في خانة إدانة مجزرة صحافيي مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، أم أقرب إلى تبريرها وربما مباركتها؟

ربما السؤال تبسيطي ومباشر، وربما أيضا يستبطن إجابة، لكنه حتما يعبر عن ذاك العطب الكبير الذي تجدد ظهوره عقب جريمة قتل اثني عشر صحافيا فرنسيا بدم بارد وفي وضح النهار. فمن نفذ الجريمة شابان مسلمان، ونسبت فعلتهما إلى الانتقام والغيرة على الدين. هذا المجرمان وحدهما مسؤولان عن المقتلة التي ارتكباها. هذا صحيح. لكن نحن مسؤولون عن ردود أفعالنا وعن تسويغاتنا وفي أي اتجاه نسوقها.

نعم، لا توجد لدينا آليات قياس رأي عام دقيق أو حرّ في العالم العربي والإسلامي، لكن ليس عصيا أبدا لمس مزاج ليس بخجول ولا محدود، تجسد في تغطيات إعلامية وفي عناوين ومقالات ومداخلات وتعليقات متلفزة، أو عبر وسائل التواصل، عكست جميعها ميلا ظاهرا لا لبس فيه للتبرير وللتسويغ والتخفيف من الجريمة، بل وللهجوم على الحرية التي تمارسها فرنسا ومعها الغرب، ومنها ذاك الحق المقدس في الحرية المطلقة للتعبير ومن ضمنها حرية السخرية والتهكم.

بدا مجرد فعل إدانة مطلق لجريمة قتل بشعة وخطرة من هذا النوع أمرا صعب الحدوث، فالرفض الحاسم للجريمة اقترن لدى كثيرين بـ«لكن» قاطعة وماكرة وخبيثة وتبريرية.

هناك 12 شخصا قتلوا بدم بارد.. تمت إدانتهم وجرى تحقيرهم وإنزال اللعنات بهم، وبعد ذلك أرفق التعليق باستنكار بارد «لكن لسنا مع قتلهم».

الآن تخوض فرنسا ومعها الغرب ذاك النقاش الذي لم يتوقف عن اندماج المسلمين المهاجرين في مجتمعاتهم الغربية. نقاش شرع في تفنيد كل التفاصيل المتعلقة بالمهاجرين وبالأنظمة، وكيف تجري حماية القيم الغربية من التطرف، كما يجري أيضا رفض لتعميم الجريمة ووصم المسلمين في الغرب بالمسؤولية.

النقاشات هناك عديدة ومتشعبة، لكن ماذا عن النقاش الغالب عندنا؟

نحن ما زلنا عالقين في المربع الأول، هل الجريمة هذه مدانة بالمطلق أم أن هناك «لكن» كبرى تحيط بها؟ ألا يكفي أن نتذكر كم استدعت الرسوم الساخرة منذ انطلاقتها من مظاهرات وتحركات وقتلى سقطوا، وحقيقة أنه لم تسر مظاهرة عربية وإسلامية واحدة تذكر ضد ما يرتكبه «داعش» وتفرعاته باسم الإسلام.

ألا يستحق كل ما يجري حولنا وباسمنا أن نخاف ونرتعد ونعيد النظر في بيئاتنا ومجتمعاتنا؟ وعلى ماذا تربت، وعلى أي وجدان تغذت، لتصل إلى هذا الصدام الكبير والقاتل مع ذواتنا أولا قبل أن نقول مع العالم؟

لن تجدي نفعا تلك الأصوات الفردية الخجولة التي تخرج محاولة تبرئة الإسلام، وتضخم من الحديث عن تبعات الاستعمار أو انتقاد ذاك الغرب وحرياته التي لا طاقة لنا على احتمالها. للغرب مسؤولياته حتما، لكن لنتوقف عن إشاحة النظر عن مسؤولياتنا نحن التي أفضت بنا إلى مستنقع الموت الكبير الذي نتخبط فيه.

قتل صحافيي «شارلي إيبدو» جريمة كبرى، ولن تقوم لنا قائمة قبل أن نحسم هذا الموقف.

[email protected]