هبة الحرب على الإرهاب!

TT

لعل أسخف وأتفه ما في حملة التنديد بالأحداث الإرهابية الأخيرة في فرنسا هو دخول شخصيات مجرمة على الخط لاستغلال هذا الحدث العالمي الكبير، فقد سار رئيس الوزراء الإسرائيلي في الصف الأول مع قادة العالم ليشاهده العالم ضمن الذين ساروا في مسيرة التنديد ضد الإرهاب، وهو الذي عرف بنهجه الإجرامي وسجله الدموي ضد الآلاف من الأبرياء الفلسطينيين وعدم اكتراثه بأي من أنظمة حقوق الإنسان ولا مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها بشأن القضية الفلسطينية.

كذلك فعل نفس الشيء حسن نصر الله زعيم ميليشيات تنظيم حزب الله الإرهابي التكفيري الذي خرج على شاشات التلفزيون (في مناسبة وصفت بأنها في ذكرى المولد النبوي الشريف) ليقول إن التطرف يسيء إلى الرسول وإلى الدين الإسلامي أكثر من الرسوم المسيئة إليه. والعجيب الساخر أن يأتي هذا الحديث من أحد أباطرة الإرهاب والتطرف في العالم، زعيم ميليشيات طائفية مجند لنصرة الطغاة. حسن نصر الله يتحدث عن الإرهاب وهو أحد صناعه ومن أسباب تفشيه؛ فهو يواصل زرع بذور العنف والتطرف والتشدد داخل بلده لبنان وفي سوريا التي دخلها مرتزقته كبندقية مأجورة للدفاع عن نظام بشار الأسد الذي يقتل في شعبه الأعزل لمدة فاقت الأربع سنوات.

الحرب على الإرهاب يجب ألا يتحدث عنها ولا يخوض فيها من كانوا من أسباب انتشاره. والمشهد الهزلي هذا يزداد غرابة وسخرية حينما تصدر الخارجية السورية بيانا تحذر فيه مواطنيها من السفر إلى فرنسا نظرا لخطورة الوضع هناك، فلا يمكن أخذ هذه النوعية من التصريحات بأي نوع من الجدية ولا المصداقية وحتما لا بأي نوع من الاحترام.

سوق التنديد بالإرهاب دخلها كل من هب ودب ولم يبق إلا أن يخرج بشار الأسد بنفسه ليسير في المسيرة التي ضمت أشخاصا مثل نتنياهو ومن شابه. بشار الأسد وحسن نصر الله يحاولان كذبا ونفاقا وزورا وبهتانا قول إن ما تتعرض إليه سوريا هو حرب إرهابية، متجاهلين تشريد النظام لأكثر من 6 ملايين نسمة وتهجير 9 ملايين آخرين، وكيف يجرؤ حسن نصر الله ويتجاهل كل ذلك المشهد ويدعي أن البحرين تعامل شعبها كما يعامل الصهاينة مخالفيهم! لم ينطق حسن نصر الله إلا بمخزون الحقد والكره والإرهاب الطائفي الموجود داخله والذي يخرج تلقائيا منه في المناسبات المختلفة. مشهد جديد من مشاهد «البنج الكلي» الذي يخدر به أنصاره.. إنها الهلوسة السياسية في أسوأ صورها، تماما كما أنه يحاول إقناع أنصاره بأنه لا يزال مستهدفا من إسرائيل وأنها «زرعت» جواسيس ضمن دائرته الأولى الضيقة وتم الكشف عنها بأسلوب مسرحي درامي، ولكن لو كانت إسرائيل ترغب في الخلاص من «عدوها الأول» و«المقاوم الأكبر» بحسب وصف إعلامه الدائم له، فلماذا لم تتخلص منه باغتياله مثلما فعلت مع قادة المقاومة الفلسطينيين؟ سؤال مهم وتبقى دونه إجابة مقنعة.

لا يمكن أن يندد بالإرهاب من ساهم في صنعه أبدا، ولذلك يبقى عارا على هذه القضية الإنسانية المهمة دخول إرهابيين للحديث عنها، ومسؤولية العالم الحر أن يوقف هذا الاستغلال الرخيص حتى لا يساء لشعار نبيل وإنساني.

نعيش في عالم اختلطت فيه المفاهيم والقيم، ولعل المشهد الأخير في عرس التنديد بالإرهاب يذكرنا بذلك بشكل جلي وواضح.