ماذا أراد أحمد أن يقول؟

TT

لا أعتقد أن أحدا سينسى هذه اللقطة إلى الأبد، ضابط شرطة فرنسي يرقد على أرض الشارع. كان مصابا، من الواضح أن إصابته كانت جسيمة، وأنه عاجز عن الحركة وعن فعل أي شيء آخر. ويظهر شخص ملثم مرتديا ملابس سوداء وفي يده سلاح رشاش، يتوقف وبغير حيرة أو تردد أو لحظة تفكير أو مراجعة للنفس، يطلق الرصاص على رأس الضابط. قبل انطلاق الرصاصة رفع كفيه وكأنه ينبهه لشيء، غير أن القاتل أطلق الرصاصة وكأنه يقوم بواجب محبب إلى قلبه. ثم انطلق يكمل مهمته كقاتل، أو ربما كان في طريقه إلى الهرب بعد أن قام بواجبه الذي كلفه به شخص آخر أكثر إجراما وخسة. ومات الشرطي الفرنسي المسلم أحمد، قتله شخص يزعم أنه يرتكب جرائمه دفاعا عن الإسلام.

يستخدم الإنسان كفه أو كفيه ليشرح شيئا عجز عن قوله، ماذا كان أحمد يقول لقاتله عندما رفع كفيه؟

أعتقد أنه كان يقول: لا تخشني، أنا عاجز عن فعل أي شيء، اتفضل اتركني واذهب في سلام، ليس لدي وقت لأرجوك أو أتوسل إليك، لن أفعل ذلك، أنا فقط سأقول لك شيئا يدهشك، أنا اسمي أحمد.. يعني أنا مسلم مثلك تماما.. آسف مستحيل أن أكون مثلك، فأمثالي يقتلهم أمثالك.. نعم مهنتي أتاحت لي أن أتعرف على الكثيرين من أمثالك.. كلهم لهم نفس النظرة المرتسمة في عينيك الآن.. الاستمتاع بلحظة القتل.. ستقتلني ليس دفاعا عن شيء ولا انتقاما لشيء، بل لأنك تشعر بالفرحة عندما تمارس دورك كقاتل. لا بأس، سأموت فيحزن من أجلي الملايين، أما أنت فستشيعك الملايين باللعنات إلى قبرك.. وسيحتفل الناس بأن الدنيا قد خسرت وغدا.. هيا يا قاتل أكمل مهمتك.

هذا ما أتصور أن أحمد قاله بحركته الأخيرة. يا للتاريخ عندما يتعامل بقسوة مع البشر، وهو يشق لهم طريقا جديدا يقربهم أكثر وأكثر من فكرته الأساسية التي يحاول إيضاحها لهم من آلاف السنين، وهي أننا جميعا ننتمي في الأساس لقبيلة البشر. وأن الأديان ليست وظيفتها التفرقة بيننا أو إشاعة الكراهية في قلوبنا، بل هي مصابيح تضيء طرقنا الصاعدة للخير والحب. ولكي يشرح لنا ذلك لا بد من جولات ينتصر فيها بعض الأوغاد لعدة ساعات فقط، قبل أن تصل إليهم أيدي رجال الشرطة. نعم لا بد أن نفقد عددا من الناس في كل جولة لكي تتمكن الإنسانية من مواصلة طريقها.

الآن فقط يتوقف سكان الأرض جميعا ليعيدوا التفكير في موقفهم من الإرهاب الملتحف بالدين، كل رجال السياسة الآن في العالم كله شرقه وغربه، أصبحوا أكثر إحساسا بالمسؤولية وأكثر تعاونا في الحرب ضد الإرهاب. الآن فقط يتأكد سكان الأرض من أنه لا يوجد أحد بمأمن من الإرهاب، وأنه على الجميع أن يشتركوا في القضاء عليه.