برغم القيود.. نجاح المعادلة بين الأمن والسياسة

TT

وزارة الداخلية البحرينية، التي هي أكثر الوزارات تحفظا في إصدار البيانات، على غير عادتها خرجت عن صمتها يوم السبت الماضي، وأعلنت عن أرقام الخسائر في صفوف رجالها في مواجهات الأعمال الإرهابية خلال السنوات الثلاث الماضية.

الأرقام هي أقرب لخسائر الحروب منها لأرقام خسائر المصادمات الأمنية مع متظاهرين، وحجم السلاح الذي تمت مصادرته يدل على أن وزارة الداخلية كانت تخوض حرباً لا يمكن أن تكون ذات طابع محلي، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الإحصائيات هي لثلاث سنوات فقط من 2012 إلى 2014 فقط، ولم تشمل خسائر سنة 2011 بداية الأزمة.

ملخص تلك الأرقام أنه قتل في السنوات الثلاث الماضية 14 رجل أمن، وأصيب أكثر من 2887 منهم، وعلى مدى 3 سنوات تم تفكيك خلايا تم تدريبها وتمويلها من سلطات دولة هي إيران، ومن مجموعات مسلحة في دول عربية كالعراق وسوريا ولبنان، مثلا، ثبت ذلك حين قبض على خلية جيش الإمام، وعلى قياديي تنظيم 14 فبراير الإرهابي.

وكذلك:

- إحباط عملية تفجر بداخل حلبة البحرين الدولية.

- إحباط مخطط لاستهداف القاعدة الأميركية.

- إحباط عملية هجوم مسلح يستهدف الحبس الاحتياطي.

- ضبط مستودع الأسلحة بمنطقة توبلي.

- القبض على منفذي العمليات الإرهابية بمنطقة الرفاع، والسهلة، والدير، والدية، ومقابة، والعكر.

- القبض على عدد من المتدربين عسكريا بمعسكرات الحرس الثوري والتيار الصدري، كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق.

- القبض على قياديي ما يسمى حركة شباب الدراز.

- القبض على مؤسس ما يسمى طلائع التغيير.

- إحباط محاولة هروب عدد 13 من العناصر المطلوبة أمنياً عبر المنافذ البحرية.

- إحباط محاولة تهريب كميات من الأسلحة والمتفجرات.

- إحباط مخطط لتنفيذ سلسلة من التفجيرات بتاريخ 14/ 2 / 2014.

- القبض على المتورطين بواقعة التفجير بالقرب من التحقيقات الجنائية.

- القبض على الهاربين من سجن جو المركزي برفقة عدد من المطلوبين بقضايا أمنية.

- القبض على مؤسسي سرايا حزب الله - البحرين.

- القبض على عدد من المتورطين في تقديم الدعم لقياديي العمليات الإرهابية التابعين لما يسمى ائتلاف 14 فبراير.

- تحديد الهيكل التنظيمي لما يسمى سرايا الكرار.

- القبض على أبرز قياديي العمليات الإرهابية في سترة والدير.

- القبض على عدد من المتورطين بواقعة حرق بلدية جد حفص.

- القبض على عدد 2 من المتدربين عسكريا في إيران.

- القبض على القائمين على ما يسمى هيئة الاستفتاء.

- القبض على عدد من المتورطين بواقعة التفجير بمنطقة دمستان.

- القبض على أحد الهاربين عبر المنافذ البحرية بالتنسيق مع الشرطة الدولية.

- القبض على عدد من المتورطين بواقعة التفجير بمنطقة بني جمره.

- القبض على عدد 2 من قياديي العمليات الإرهابية بمنطقة العكر.

وتم اكتشاف ومصادرة 20 سلاح كلاشنيكوف، و20 ألف طلقة حية، و50 قنبلة يدوية، و5 أطنان من مواد مستخدمة في تصنيع المتفجرات، وعشرات الكيلوغرامات من مادتي «تي إن تي» و«سي 4» الشديدتي الانفجار.!! إضافة إلى هذه الخلايا الإرهابية تعاملت الداخلية وبشكل يومي مع عدد 14275 عملية حرق جنائي و16221 عملية سد للطرقات.

لم تكن تلك الإصابات الكبيرة لتحدث لولا أن وزارة الداخلية أمرت مباشرة أن تعمل بمعادلة يصعب تحقيقها، بل تكاد تكون مستحيلة لأي وزارة داخلية في العالم، وهي تحقيق الأمن باستخدام الحد الأدنى من قدراتها القتالية، بل أحيانا الخفض المتعمد لقدراتها لخدمة هدف سياسي للدولة لا لهدف أمني. هذه معادلة سياسية المجازفة فيها كبيرة والخسائر فيها كثيرة مما يفسر حجم الخسائر التي استعرضها وزير الداخلية البحريني.

لقد قدّر لوزارة الداخلية أن تقوم بدور سياسي ليس دورها، لكي تتمكن الدولة من الخروج من النفق الذي وضع البحرين على خريطة التغيير والفوضى، فإذا أضفنا لذلك أنه قد أوكل لوزارة الداخلية مهمة توفير الأمن للجناح السياسي للجماعة ذاتها التي حملت السلاح ضد رجال الأمن وهم جمعية «الوفاق» السياسية، فإننا نكون أمام مهمة مستحيلة، وصل فيها عدد الفعاليات السياسية التي يصاحبها رجال الأمن لتنظيمها وضمان عدم خروجها عن أهدافها إلى 5687 فعالية سياسية، وقرابة 101 ألف تجمع مرخص في عام واحد هو 2012 وفي 2014 إلى 11900 تجمع، نستطيع أن نقول وبكل أريحية إن وزارة الداخلية البحرينية حين جمعت بين المهمتين كانت تخوض حربا حقيقية بأدوات سياسية وتلك مهمة مستحيلة!.. حربا إقليمية ضد البحرين شنتها دول شقيقة عربية، جميعها قدمت المال والسلاح والتدريب لطابور خامس يخدم أجندة إيرانية، وساعدهم إعلام متآمر قدم التغطية للإرهاب حين تعمد إخفاء الحقائق ومنع وصولها وغير صورة الصدام على أرض الواقع، في مقدمها صحيفة بحرينية تلطخت أياديها بدماء رجال الأمن البحرينيين حين حوّلت الإرهابيين إلى ضحايا، وحين مجّدت الأعمال الإرهابية وأجرت المسابقات ومنحتها لمصوري الأعمال الإرهابية. وساعدتهم في حملة التضليل قناة تلفزيونية عربية خليجية وقنوات أوروبية مراسلوها تابعون للجماعة ذاتها مما ساهم في التضييق أكثر على عمل رجال الأمن البحريني ومنعهم من استخدام حقهم في الدفاع عن أنفسهم وهو حق شرعي المسموح به دوليا ومجاز قانونا، إنما منعت وزارة الداخلية البحرينية من استخدامه.

لقد كانت المداهمات للقبض على مسلحين إرهابيين تجري في أحيانا كثيرة ورجال الأمن مجردين من السلاح، وبالفعل مات كثير منهم في كمائن نصبها الإرهابيون، ووسائل الإعلامية تلك تتحمل مسؤولية كل قطرة دم سالت من رجال الأمن. لقد كانت كمصاصي الدماء كلما سقطت قطرة زادت من تضليلها.

أصلاً، لم يكن القضاء على هذه الشرذمة الضالة صعبا على رجال أمننا عددا وعدة، ولكنه القيد الدولي الذي أجبر البحرين على أن تخوض حربا إرهابية بلا سلاح وبأدوات سياسية.

ولهذا طرح على وزير الداخلية، حين أعلن عن هذه الأرقام يوم السبت الماضي تبريرا لقرار التحقيق مع الأمين العام لجمعية الوفاق بتهم التحريض على الإرهاب السؤال التالي: ما الذي حدث لتعود الأمور لنصابها الحقيقي ولوضعها الطبيعي ولمعادلتها الصحيحة ...ولمَ تأخر تعديل المعادلة الأمنية في البحرين لمدة 4 سنوات؟

وزير الداخلية لم يجب عن هذا السؤال لكن تفسيرنا هو أن البحرين قامت بذلك بعد أن رأت الدول التي قيدت رجل الأمن البحريني وطالبته بمراعاة حقوق الإنسان الإرهابي، هي من أطلق أيدي رجال أمنها في مواجهة الإرهاب الذي حاق بها. فبريطانيا قالت لا تحدثني عن حقوق الإنسان حين يكون الأمن القومي مهددا، وأميركا دافعت عن رجال أمنها حين قتلوا متظاهرين في الشوارع دون تردد، وفرنسا قتلتهم قبل القبض عليهم. إذاً هذه هي المعادلة الطبيعية في العالم كله، وهذه هي المهمة الأساسية لرجال الأمن، حينها فقط قررت البحرين العودة لها ووقف إيكال مهمة سياسية لأجهزة أمنية.

قد نختلف وقد نتفق على سلامة القرار السابق بتقييد رجال الأمن وتقييد قرار القبض على المحرضين ورؤوس الإرهاب مراعاة لاعتبارات سياسية دولية، لكن الذي لا نختلف عليه أن البحرين انتصرت على الإرهاب وانتصرت على الصعيد السياسي الدولي فحققت بذلك وزارة الداخلية معادلة صعبة أمرت بتنفيذها، حين سبحت في الماء وهي مقيدة من دون أن تبتل!!