ما يتعين على إيران أن تفهمه من البحرين

TT

حين تقول النيابة العامة في البحرين، إنها تواجه الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية «الوفاق» المعارضة، وهي تحقق معه هذه الأيام، بما جاء في كلماته، وخُطبه، نصا، فأظن أنها تريد أن تواجهه إلى جانب هذا، بشيء آخر، هو أن ينتبه الشيخ علي، إلى أن ما جاز في اليمن، على يد جماعة الحوثيين، حتى وإن كان قد جاز مؤقتا، وإلى حين، فإنه لا يجوز بالمرة في البحرين!

فالشيء الذي جاز في اليمن، أو بمعنى آخر تصورت جماعة الحوثيين، أنه يمكن أن يجوز، ثم يمر، إنما هو الانخراط في تغيير النظام الحاكم بالقوة، وهو أيضا الشيء ذاته الذي لا يفهم المرء، كيف فات على الشيخ علي أن يدركه، رغم أنه واضح أمام كل عين!

وربما نذكر، الآن، أن قوات درع الجزيرة، عندما دخلت المنامة، قبل نحو عامين، كانت تريد أن تبعث برسالة إلى الشيخ علي، وإلى جمعيته، وإلى الذين وراءه، بأن ما يتصورون أنه يمكن أن يحدث في البحرين، لن يحدث، وأن وراء الدولة البحرينية، 5 دول خليجية، هي أعضاء معها، وشركاء، في مجلس التعاون الخليجي، ثم في قوة درع الجزيرة، التي من بين مهامها، دفع ما كان أمين عام «الوفاق» والذين من خلفه، يفكرون فيه، بمثل ما فكّر الحوثيون، في اليمن، فيما بعد، ثم راحوا ينفذون بحماقة ما فكروا فيه.

ولا بد أن الواحد منا يأسف، وهو يقول إن هناك آخرين، يقفون وراء الشيخ علي، ولكن، ما حيلتنا، إذا كانت طهران تسارع، بعد توقيفه، إلى المطالبة بالإفراج عنه، وإطلاق سراحه فورا، وكأنه، والحال كذلك، مواطن إيراني، وليس مواطنا بحرينيا، يحمل جنسية بلده، ويخضع لقانونه، ويُحاسب وفق نصوصه وحدها!

وقد كنت أتمنى، لو أن الرجل نفسه، سارع بعد الطلب الإيراني الغريب والعجيب، إلى التصريح علنا، بأنه يرفض ما صدر في إيران بحقه، وأنه مواطن بحريني في الأول وفي الآخر، وأنه يحترم قانون بلاده، وأنه يطلب تحقيقا عادلا، وأنه سوف يقبل بما يراه القانون، في وجود محاميه، ومع ضمان حقه في الدفاع عن نفسه.

كنت أتمنى هذا، ولكن يبدو أنها كانت أمنية مثالية، ومتفائلة، بأكثر من اللازم. ويبدو كذلك، أن الشيخ علي، لا يرى غضاضة، ولا حرجا، في أن تقول طهران في حقه، ما قالت، فما قيل من جانبها، بالمناسبة، لا يخالف فقط كل الأعراف الدولية المتفق عليها، والمستقرة في مقام احترام سيادة الدول، وإنما هو، بالأساس، يثبت التهمة التي يجري التحقيق فيها حاليا، بحق الأمين العام للوفاق، وهي السعي عمليا إلى تغيير نظام الدولة، بالقوة.

هي بالطبع، ليست التهمة الوحيدة؛ فهناك إلى جوارها 3 تهم أخرى، غير أن هذه التهمة تحديدا، تصل عقوبتها وفق القانون البحريني، لو صحت في حق صاحبها، إلى السجن 10 سنوات.

ويبقى الشيء غير المفهوم، أن صاحب التهمة الكبيرة هذه، كان مدعوا مع جمعيته، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن يخوض انتخابات البرلمان، وأن يكسب ما يشاء من مقاعده، ويغير بالتالي، من المجتمع البحريني، بالأدوات الديمقراطية، كما يحب، لا بالقوة أبدا، ولكنه اختار أن يقاطع الانتخابات، مع جمعيته بالطبع، واختار أن يحرض الناخبين في عمومهم على ألا يذهبوا، وأن يقاطعوا، هم الآخرون، لولا أنهم في عمومهم أيضا، قد خذلوه، وخذلوا جمعيته، وبعثوا إليه في يوم الانتخابات، برسالة واضحة مفادها أن التغيير في مجتمع البحرين، أو في غيره من المجتمعات، نحو الأفضل، له طريق توافق عليه الناس في هذا العصر، هو طريق صندوق الانتخاب، ولا طريق غيره!

كان هو في غنى عن أن يقاطع، وكانت أمامه فرصة أن يدخل البرلمان، وأن يغير من هناك، ولكنه اختار الطريق الآخر، الذي أدى إلى ما هو فيه الآن، فخذل نفسه، بوعي، أو بغير وعي، وخذل جمعيته كذلك، وكان في مقدوره أن ينصف نفسه، وأن ينصف جمعيته، وقبل نفسه وجمعيته، كان في إمكانه، بل كان واجبا عليه، أن ينصف بلده قبل كل شيء!.. بلده الذي يعيش على أرضه، ويحمل كما قلت جنسيته، ويتنفس هواءه.

وعندما أتيح له، مرة ثانية، أن ينصف نفسه، وينصف جمعيته معه، ويرد على الطلب الإيراني بإطلاق سراحه فورا، بأن هذا شأن تقرره نيابة بلده العامة وحدها، لأنه مواطن بحريني، لا إيراني، فإنه تصرف متطوعا بما يثبت التهمة إياها في حق نفسه، وفي حق جمعيته، سياسيا على الأقل، وقبل أن يثبتها القانون!.. ولذلك، فالدرس الباقي في حكايته، لسائر المواطنين في بلده، وفي غير بلده، بامتداد المنطقة، أن الولاء لغير الوطن، لا يفيد.