الرضا المستحيل

TT

منحت دولة عربية رئيس وزرائها الذي كان ذاهبا إلى الأمم المتحدة مبلغ مائة ألف دولار تكاليف رحلته وإقامته في نيويورك، لكن المسؤولين في وزارة المالية بعد أسبوع فوجئوا بشيء لم يتوقعوه على الإطلاق.

فقد قام هذا الرئيس «القنوع» بإرجاع عشرات الآلاف من الدولارات أي ما تبقى من المبلغ المخصص له إلى خزينة الدولة. وعندما سئل عن السبب قال بكل بساطة: لقد صرفت كدولة ما يكفيها والباقي هو حقها!

تذكرت هذه الحكاية اليوم وأنا أرى كل يوم كيف يسخر الناس من البشر القنوعين.

كان الناس في الماضي يعيشون تحت شعار زائف عنوانه «القناعة كنز لا يفنى» لم يكن يمارس في الواقع، ولكن الجميع يرددونه على الأطفال والفقراء.

لكن هل القناعة في هذه الأيام مستحيلة؟ أو على الأقل غير ممكنة التطبيق؟

أظن أن المستحيل اليوم هم البشر، فالغالبية لديهم الكثير لكنهم يريدون المزيد والمزيد، ويأخذون ولا يقولون يوما الحمد لله. والكثيرون صاروا يمتلكون أكثر بعشرات المرات مما يحتاجون.

وما بين المستحيل والممكن هناك شيء جميل ينساه الناس دائما هو الرضا. إنها الكلمة السحرية الرائعة التي اختفت مع الأسى الشديد من حياتنا، وجعلتنا نركع تحت رحمة كل هذا الطمع الرهيب الذي يكاد يحيل أعمارنا وأيامنا إلى خراب!

وعلى عكس ما يشاع، فالرضا لا يعني أن نلغي طموحاتنا وأن نرتضي بتأجيل أحلامنا وأن نعيش على واقع بائس مثلا، بل إنه يعني أن نسعى لها ونكافح من أجلها ونجعل العرق الغزير يتصبب من فوق جباهنا، لكنْ هناك خيط رفيع يفصل بين السعي لتحقيق الطموح وبين ما هو الطموح؟

فعندنا بشر مستعدون للقيام بكل أنواع النصب والاحتيال والكذب والتآمر والغش من أجل الحصول على المال ومن دون شقاء سوى التلاعب مع حيلهم وألاعيبهم وخبثهم. وهناك غيرهم مستعدون أن يبقوا على فقرهم على أن يحققوا ما يرغبون بتلك الوسائل.

أعترف أن الرضا في عالمنا المادي اليوم صعب وربما صعب جدا، ولكنه يحتاج إلى سلام داخلي مع النفس ونكران كبير للرغبات والشكر دائما على النعم التي بحوزتنا بجانب السعي لتحقيق بعض الأحلام الممكنة.

لا أطلب من أحد المستحيل، ولكن من حقنا اليوم أن ندعو البشر إلى ممارسة ولو القليل من القناعة الممكنة التي يستطيعون القيام بها في حياتهم.

وفي ظني أن هذا ممكن.