بشت وغرامفون

TT

في السياق التالي قطوف مما طالعت حول فكرة مقاومة التغيير، فيها عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.

فمن كتاب الصحافي والمؤرخ الكويتي عبد الله الحاتم (من هنا بدأت الكويت) نطالع:

1930 أصدر أمير الكويت أحمد الجابر أمرا للأهالي بخلع «البشت» وهو العباءة الرجالية، وألزمهم بتنفيذ هذا الأمر فقوبل هذا القرار من الأكثرية بالانتقاد والتحدي. ولما رأى أمير البلاد عدم انصياع الأهالي هدد بمصادرة عباءة كل رجل من على ظهره وحرقها. فخاف الناس وخرج معظمهم بلا عباءة، وهناك من لزم منزله. وكان أول من خرج للناس بلا عباءة أفراد العائلة الحاكمة يتقدمهم أمير البلاد. كانت دوافع القرار اقتصادية اجتماعية، فأسعار العباءات غالية، وهي سلعة كمالية، والبلاد فقيرة، ومن الناحية الاجتماعية أضيف للعباءة هالة من التوقير صرفت الانتباه عن القيم المفيدة. «البشت» لم يهزم، وعلى كل حال لسنا ضده ولكنها قصة تروى. بهذه المناسبة قال شاعر شعبي كويتي، هو إبراهيم الخالد:

يا رب صبرني على كل ما كاد وانظر لوقت مدبرات سنينه

من يوم حكيات المدارس مع الناد وشفت المواتر مشيها في مكينه

وقالوا على «المودات» والعلم يزداد عرفت أن البشت قد حل حينه

عفت القراح وعيت النفس للزاد ونقلت هم للربع ما استهينه

ويذكر الحاتم أيضا عن دخول أول آلة بث الصوت (الغرامون) إلى الكويت، وكانت تصدح بالغناء، في مكان معروف وسط المدينة، كان ذلك آخر عهد الشيخ مبارك الصباح 1915 كانت حديث الناس، فقيل: هذه من علامات القيامة، وقيل الشيطان داخل الآلة يغني، فما كان من الشيخ سالم، نجل الحاكم، وكان فيه تدين، إلا استغلال فرصة غياب والده في المحمرة ليمنع الآلة.

في حوار مع جريدة «الحياة» قال د. عبد الله الوشمي مؤلف الكتاب الثري «فتنة القول بتعليم البنات» الذي استعرض فيه ملحمة فتح المدارس النظامية للفتيات في السعودية: «تجد وصف المدارس بالفتنة والبلاء الظاهر وأن تعليم البنات هو تمرد، وقد أُهدر دم أحد الذين نادوا بتعليم البنات في إحدى المناطق، وتكونت الجماعات الكبيرة للممانعة في مناطق أخرى، وكان طريفا أن يتوظف أحد الذين مانعوا تعليم البنات في هذه المدارس نفسها، أو أن يؤجر بيته للمدارس من كان يطالب بمنعها!».

هناك ممانعات أخرى في كثير من البلاد الإسلامية، حتى غير العربية منها، ضد تعليم البنات، ودخول السيارات، وحتى الأسلحة الحديثة، وآلة البرقيات، والراديو، والزي. والشواهد غزيرة.

هذه الممانعات هي سلوك أولي طبيعي، لا علاقة له بالدين كما يبدو، وإن عبر الممانع عنه نفسه بلغة دينية أو أخلاقية، فكل المجتمعات الإنسانية تقاوم - عادة - أي جديد، ولو كانت هذا التغييرات، في حينه، محكومة برغبات الأغلبية لما تطورت العلوم والمجتمعات. ممانعات اليوم، ضد المرأة والتسامح الديني والتطور التشريعي، والفنون، والإصلاح الديني «الحقيقي» هي سليلة ممانعات الأمس، الاختلاف في وسائط التعبير، فقط، وتصميم الأمس في التغيير، هو الحل اليوم، كما كان الحل بالأمس.

[email protected]