البغدادي في المكتب البيضاوي؟

TT

لم يكن ينقص أوباما إلا أن يستيقظ ليجد أبو بكر البغدادي جالسا إلى جانبه، أو أن يدخل إلى مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض، ليجده وقد أشعل سيجارا ويقرأ بريده الصباحي، فقد كان من المضحك - المبكي أن تعلن القيادة العسكرية الأميركية الوسطى التي تشرف على الحرب الجوية ضد التنظيم في العراق وسوريا، أنها تعرّضت للاختراق على يد «داعش»!

ليس سرا أن بعض الذين التحقوا بالتنظيم الإرهابي يجيدون استعمال أجهزة الاتصال الحديثة وأساليب الدعاية، كما يوحي مثلا إخراج مجلة «دابق» التي يصدرها التنظيم، ولكن أن تتمكن مجموعة تسمي نفسها «سايبر خلافة»، للإيحاء بأن «داعش» يحلق في الفضاء الإلكتروني، من قرصنة صفحتي «تويتر» و«يوتيوب» التابعتين للقيادة الأميركية، وتنشر شعارا بالأسود والأبيض مع صورة إرهابي إلى جانبها عبارة «أنا أحب داعش»، بدلا من الشعار المعتاد للقيادة الوسطى، فلهذا تأثير سلبي في الحرب على الإرهاب!

المثير أن الاختراق ترافق مع ارتفاع حملة الانتقادات التي توجّه إلى أوباما على خلفية «ميوعة» قرارات حربه على الإرهابيين وخصوصا في سوريا، وآخر هذه الانتقادات صدر عن السيناتور جون ماكين الذي طالب أوباما تكرارا بتدخل بري أميركي ضد «داعش» في العراق وسوريا، وبتسليح «الجيش السوري الحر» وفرض مناطق لحظر الطيران للقضاء على التنظيم.

في حديثه إلى «C.N.N» يقول ماكين إن أوباما تجاهل نصائح مستشاريه بإبقاء قوة في العراق، وبتسليح «الجيش السوري الحر» وفي غيرهما من القرارات، وهو ما وفر المناخ المناسب لقيام تنظيم داعش الذي بات أكبر منظمة إرهابية عرفها التاريخ، لا تتسلل سيبريًا إلى المواقع الإلكترونية لوزارة الدفاع الأميركية فحسب، بل تهدد وتنفّذ العمليات الإرهابية في الخارج.

لكن المثير أن أوباما يواصل سياسة التعامي عن المجريات المحبطة للحرب على الإرهاب التي بدأت في منتصف أغسطس (آب) الماضي، حتى لو جاءت المفاجأة يوم الاثنين الماضي من رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي الذي طالما عارض الانخراط الأميركي في حرب برية في العراق وسوريا، عندما قال فجأة «إن القوات الأميركية مستعدة لخوض معركة برية ضد نظام الأسد إذا طلبت الإدارة الأميركية والرئيس أوباما ذلك».

ولكن من الواضح تماما أن أوباما الذي جاء لينقض استراتيجية الحرب على الإرهاب التي نفذها سلفه جورج بوش لن يطلب ذلك لأنه يطبق سياسة مزدوجة المعايير، ففيما يتعلق بسوريا التي تُذبح منذ 4 أعوام من الواضح كما تفيد تقارير دبلوماسية، أنه يعطي الروس الآن مهلة 6 أشهر لمحاولة حل المشكلة عن طريق ما يسمى مؤتمر «موسكو - 1» الفاشل سلفا، في حين تصل أسبوعيا إلى ميناء طرطوس سفينة روسية تحمل إلى النظام الأسلحة والذخائر من الصاروخ إلى رصاصة الكلاشنيكوف، وفي حين من المعروف أن دعم موسكو وإيران للنظام السوري ولّد كل الكوارث من دمار سوريا وأغرقها في دماء أكثر من 300 ألف قتيل إلى قيام «داعش» و«النصرة».

أما فيما يتعلق بالعراق فمن المثير تماما أن يكون «داعش» اجتاح الموصل وهدد العاصمة بغداد في أقل من 5 أيام وأن يواصل الجنرال جون ألن منسق التحالف الدولي القول إن تحرير الموصل يحتاج إلى 3 سنوات، بما يؤكد عمليا أنه لا رغبة فعلية لدى الإدارة الأميركية في خوض معركة جادة لإنهاء «داعش»، على خلفية ربط مسار المعارك في العراق بمسار المفاوضات النووية مع إيران التي يريد أوباما لها النجاح بأي ثمن، لتغطية الفشل الصارخ لسياسته الخارجية في عهدين.

في السياق العراقي كان من المثير أن يعلن حيدر العبادي يوم الأحد الماضي من القاهرة أن مصر تقوم بتسليح العراق، وأنه يجب إيجاد منظومة عربية وإقليمية ودولية لمحاربة «داعش» الذي يؤجج صراعا مذهبيا بين السنة الشيعة، وهو ما دفع الكثيرين في المنطقة كما في بعض العواصم الغربية إلى السؤال، ولكن ماذا عن التحالف الدولي الذي يضم 40 دولة الذي أنشئ قبل 5 أشهر لمحاربة «داعش»؟

كلام العبادي في القاهرة تحديدا أثار نوعا من الريبة في واشنطن، وفور عودته إلى بغداد الاثنين وجد وفدا أميركيا من جون ألن وممثل أوباما بريت مكيرك والسفير الأميركي في بغداد في انتظاره، حيث عُقد اجتماع قيل إنه تناول «دعم التحالف الدولي للعراق في حربه ضد الجماعات الإرهابية وتعزيز عمليات التنسيق بين الجانبين وعرض الانتصارات التي تحققت»!

الانتصارات؟

عن أي انتصارات يتحدث الأميركيون الذين يناورون «داعش» أكثر من محاربته فعلا، وخصوصا عندما يقولون لمسعود بارزاني والبيشمركة «لقد أصبحتم فخر العالم»، وهذا حق بعد التقدم الذي حققوه ضد الإرهابيين في كوباني وبعض مناطق الشمال العراقي، في حين أن الأميركيين أصبحوا خيبة العالم؟

لا داعي إلى الأجوبة لكن من المفيد أن نتذكر أن الاجتماع المستعجل مع العبادي جاء أولا بعد كلامه عن التسليح المصري للعراق، وثانيا بعدما كان قد انتقد بطء التحالف الدولي ضد «داعش» وكذلك البطء المثير في المساعدة على تدريب الجيش العراقي، الذي يبدو أنه وسط تركة الفساد الهائلة التي خلّفها نوري المالكي سيحتاج إلى 3 سنوات ليعاد بناؤه!

ولعل ما يزيد الأمور قتامة، الحديث عن تزايد الهيمنة الإيرانية على الوضع العراقي بحجة الحرب على «داعش»، وإذا كانت وكالة «أسوشييتدبرس» قد كشفت أن طهران استغلّت العراق وباعته في سنة واحدة أسلحة متواضعة لا تزيد قيمتها على 50 مليون دولار، لكنها قبضت ثمنها 10 مليارات، فإن هناك في بغداد من يتّهم الإيرانيين بأنهم يعوقون بناء الجيش الوطني، لحساب تقوية الميليشيا الشيعية التي يديرونها، كما أنهم يعرقلون التحقيق في فضائح الفساد الهائلة التي نفذها رجلهم في الحكم نوري المالكي، إلى درجة أن تشكيل هيئة التحقيق ما زال يواجه العراقيل.

أمام كل هذا كيف يمكن أن تتم هزيمة «داعش»، والسؤال الأهم هل تريد واشنطن فعلا الآن في هذه المرحلة تدمير هذا التنظيم، قبل أن تكتمل معالم التقسيم الديموغرافي ليطابق التقسيم الجغرافي؟

لا داعي إلى الأجوبة الآن لكن ليس قليلا أن يستيقظ أوباما على كوابيس أبو بكر البغدادي، ولا من القليل أن يقرأ البنتاغون في موقعيه المقرصنين رسالة «داعش»: «نحن هنا بالفعل في داخل حواسيبكم الشخصية وفي كل قاعدة عسكرية»!