عفواً فخامة الرئيس

TT

خطأ فادح ارتكبته المجلة الفرنسية «شارلي إيبدو» مستغلة مناخ الحرية، الذي لا سقف له في الغرب عموما، وفي فرنسا خصوصا، بإساءتها لأكثر من مليار مسلم تحت ذريعة حرية التعبير. إنها لكارثة عندما يكون مفهوم هذه الحرية مفصلا على مقاس شعوب بعينها، ولا يناسب ولا يتوافق بتاتا مع شعوب ومجتمعات أخرى، ومع ذلك ينقلب المفهوم وتصبح هذه الحرية وبالا على من هي موجهة ضدهم وتسيء لمعتقداتهم ودينهم، ومن ثم هم مجبرون على المضي في معادلة غير متكافئة، فقط لأن الطرف الأقوى قرر أن هذا هو سقف الحريات، وعلى الجميع الإقرار والاعتراف والالتزام به، وإلا فهم «لا يستوعبون» حرية التعبير، كما قال الرئيس الفرنسي.

عندما حدث الاعتداء على المجلة الفرنسية كانت الإدانة الدولية واضحة ولا لبس فيها، لكن مفهوم الإدانة يختلف من جهة لأخرى، فليس شرطا أن تأتي لأن الهجوم استهدف «حرية التعبير»، وإنما يمكن النظر إليها من زاوية أخرى في سياق هجوم إرهابي على أبرياء، وأنه أيضا لا يمكن تبرير ردة الفعل مهما تطرف الفعل ذاته، غير أننا الآن نعود للمربع الأول باستغلال الحشد العالمي ضد جريمة إرهابية، باستهداف مبدأ أساسي في حرية التعبير للمجتمعات الغربية نفسها، وهو عدم انتهاك حريات الآخرين، وهنا في رسمها المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، تعتدي المجلة على حرية مئات الملايين من المسلمين حول العالم. ويقول ديان باكيت، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «نيويورك تايمز»، تعليقا على عدم إعادة نشر الصورة المسيئة للإسلام: «في العادة لا ننشر صورا أو مواد أخرى تتعمد استثارة حساسية دينية، ويرى الكثير من المسلمين في نشر صور نبيّهم عملا مسيئا في حد ذاته، وعليه، امتنعنا عن القيام بذلك».

يخطئ الغرب عندما يفصل مقياس الحريات بحسب حجم وطبيعة مجتمعاته. الغرب ذاته بنى حرياته على مبدأ أساسي ومنطقي يؤكد أن الحرية ناجمة عن التزام الفرد والمجتمع بالواجب، بالإضافة إلى ربط تطور مفهومها بالسياق التاريخي للمجتمع الغربي. يفاخر الفرنسيون، مثلا، بأن حريتهم في مراكز متقدمة بين نظرائهم الغربيين، وهذا من حقهم طالما أن حدودها ضمن نطاق بلادهم ومواطنيهم، غير أن المنطق والعقل يقولان إنهم لا يتوقعون أبدا أن يكون هناك تفهم ووعي في قرى النيجر وأرياف باكستان وسواحل إندونيسيا لهذا المفهوم، عندما يعتبرونه اعتداء صارخا على دينهم ولا يقبلونه. مع التذكير بأنه حتى في داخل فرنسا نفسها هناك جدل وتساؤلات حول المعايير المزدوجة في التعامل مع حرية التعبير.

وبينما كان لبابا الفاتيكان موقف حاسم في هذا النقاش حول حرية التعبير ونشر المجلة لرسمها المسيء، مبينا أن هذا «الحق الأساسي» لا يجيز «إهانة» معتقدات الآخرين أو السخرية منها، يدافع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن رسوم المجلة بالقول إن من يحتجون عليها لا يستوعبون ارتباط فرنسا بحرية التعبير، وإن لبلاده مبادئها وقيمها، ولا سيما هذه الحرية.

عفوا فخامة الرئيس، استفزاز مئات الملايين من المسلمين للتعبير عن الغضب من حفنة إرهابيين ليس حرية تعبير، بل اعتداء عليها.