أعادوا لنا بناتنا.. مفخخات

TT

هل تذكرون حملة «أعيدوا لنا بناتنا»؟

إنها الحملة التي انطلقت عالميا قبل نحو تسعة أشهر حين خطفت زمرة «بوكو حرام» الإرهابية في نيجيريا نحو 300 فتاة من مدرستهن. حتى اليوم لم تتم إعادة الفتيات، بل تمكنت الجماعة التي تمارس عنفا مرعبا في المناطق التي تسيطر عليها من خطف وقتل العديد من المدنيين، إلى حد أن هناك تقديرات تشير إلى أن ضحايا «بوكو حرام» منذ مطلع السنة، أي خلال أقل من شهر، تجاوزوا الألفي شخص.

وحملة «أعيدوا لنا بناتنا» كانت قد استقطبت شخصيات من حول العالم ومنظمات، وأخذت زخما إعلاميا وسياسيا واسعا في أسابيعها الأولى، لتعود وتذوي دون أن تثمر عودة أي من الفتيات. ليس فقط لم تعد الفتيات وبقين رهائن هذه الجماعة العنيفة، بل بدأت «بوكو حرام» في استخدامهن قنابل موقوتة من خلال إجبارهن على تفجير أنفسهن وقتل آخرين.. تكرر ذلك في أكثر من عملية، آخرها وأفظعها ربما حدث الأسبوع الماضي.. ففي الوقت نفسه الذي كنا فيه منشغلين بحملة «أنا شارلي» رفضا للقتل وتضامنا مع حرية التعبير، أقدمت طفلة نيجيرية لم تتجاوز العاشرة من عمرها، مدفوعة بضغط الجماعة المسلحة، على تفجير نفسها في سوق شعبية، وقتلت نحو عشرين شخصا.

فلماذا نجح شعار «أنا شارلي» في دفعنا للتحرك فيما فشلت حملة «أعيدوا لنا بناتنا» في تحقيق أي شيء؟

يمكن للمقارنة أن تتوسع فتشمل حملات وشعارات تضامن عديدة مع قضايا جرى تبنيها إعلاميا، فيما قضايا أخرى محقة ولا تقل عدالة بل ربما تزيد لكنها لا تجد ذلك الاندفاع.

ليس افتراء وضع معايير اللون والعرق والطبقة الاجتماعية في الحالتين ضمن العوامل المؤثرة في تزخيم الاهتمام، لكن ربما لن يكون ذلك تفسيرا كاملا. فنحن من أصبحنا مواطني مواقع التواصل الاجتماعي نجد أنفسنا مجبرين على التفاعل مع ما نرى ونشاهد ونسمع، سواء أكان ذلك يحدث قربنا أو في مكان بعيد. نحن نحتاج أن نعبر، فحين نصمت ننتهي ونذوي. لا مفر إذن من إبداء رأي وكلمة وموقف. إنها المواطنة سواء أكانت بمعناها الوطني الضيق أو بمعناها العالمي الذي بتنا جميعا جزءًا منه دون أن نقرر ذلك.

لقد فشلت حملة «أعيدوا لنا بناتنا».. وهذا يشي كم أن لحظة الانفعال العابر التي تصيبنا حين تقع جريمة أو حدث لا تساعد حقيقة ضحايا تلك المأساة.. فالتغيير الحقيقي يحتاج لمثابرة وجدية، ولجهود دولية وإقليمية وحل عميق للمشاكل، وهذا ما لم يتوافر لنيجيريا مثلا. كان من المستحيل أن تؤثر حملة رأي عام مثل هذه الحملة في جماعة «بوكو حرام» التي يقودها شخص يظهر جليا كم هو مختل التوازن وعنيف. ملايين التغريدات عبر «تويتر» لا تعنيه شيئا وهو يلوذ في مجاهل نيجيريا يقتل ويخطف كيفما شاء.

لكن حملات التضامن، خصوصا تلك التي تلقى صدى واسعا عبر «تويتر» و«فيسبوك»، ليست أمرا سلبيا، وإن كانت لا تحقق دائما إنجازا على الأرض، والمقارنة بين «أنا شارلي» و«أعيدوا لنا بناتنا» تظهر الفارق تماما.. التفاعل وخلق الأفكار وتداولها وتبني شعارات وحملات أمر يحض على التفكير، لكن الحلول ومواجهة الأزمات أمر يبدو عصيا على الجماعات التي تنشط عاطفيا وعقلانيا وسياسيا عبر وسائل التواصل.. الحلول أمر تقدم عليه الحكومات وأصحاب القرار في الدول.

«أنا شارلي» حملة تلقفها زعماء دول، حتى تلك التي لا تؤمن بالقضية أصلا بل وتمارس قمعا لحرية الرأي، لكن بدا زخم الشعار أقوى من عدم الانضواء خلفه.

«أعيدوا لنا بناتنا»، كما البلد الذي هو معني به، شعار يتيم لا يجد من يعمل فعليا لأجله.

[email protected]