إسرائيل أكثر أمنا من كل أوروبا..!

TT

رب كلمة قالت لصاحبها دعني، مثل يحاكي حال حسن نصر الله الأمين العام لميليشيا حزب الله اللبنانية الذي هدد وتوعد إسرائيل قبل أيام بضربها ردا على غارات داخل سوريا. ولا نستطيع في هذه الظروف إلا أن نشفق على حزب الله الذي دق صدره مدافعا عن نظام الأسد بكل ما أوتي من قوة ضد أطراف ذات بأس شديد؛ المعارضة السورية، و«داعش» و«جبهة النصرة» وإسرائيل. مهمة صعبة حقا.

أما الكلمة التي قالت لصاحبها «تشبث بي» فهي الكلمة المستفزة لبنيامين نتنياهو بأن دعا اليهود إلى العيش في إسرائيل، والتي كان قد صرح بها خلال تأبين ضحايا حادثة «شارلي إيبدو» في فرنسا الأسبوع الماضي. الدعوة بحد ذاتها جاءت للاستهلاك الإعلامي والاستفزاز السياسي من مرشح مقبل على الانتخابات بعد شهرين، فاليهود في أوروبا وأميركا ليس كيهود اليمن مثلا، يعوزهم الاستقرار الأمني أو الاقتصادي، هم جزء من نسيج المجتمع الأوروبي يتمتعون بكامل حقوق المواطنة، وما أعظم حظ من ينال المواطنة الأوروبية. من يستمع لعبارة «يهود العالم» يظن أنهم مليار إنسان، والحقيقة أن اليهود أقلية دينية في العالم تتعرض للانكماش مع الزمن لأسباب اجتماعية، تعدادها نحو 12 مليون نسمة نصفهم إسرائيليون، والبقية تتوزع على أنحاء الأرض خاصة الغرب.

ما يعنينا هنا أن نتنياهو يدعو اليهود إلى إسرائيل لتسويق أنها أكثر أمنا لهم من أي بلد في العالم، حتى أكثر من أوروبا. تبدو هذه القناعة لدى نتنياهو مليئة بالغرور والادعاء والمبالغة، ولكن بكل أسف أنها تحمل جزءا كبيرا من الصحة، وإلا من يستطيع أن يتخيل هذه المفارقة العجيبة؛ بلد كإسرائيل يعيش محاطا بدول تشتعل فيها نيران الحروب الطائفية والأهلية، ومع ذلك لا يمسه النار، ولا يأتيه الخطر، بل إنه يبادر بالضرب والدفاع قبل الهجوم. «داعش» التي أرست لنفسها مساحات شاسعة شرق سوريا وشمال العراق، وأسست دولة بميزانية معلنة ووزراء للخدمات، وأذهلت العالم بقدرتها على الحشد واستقطاب الشباب من كل بلاد العالم حتى من العالم المتحضر الذي لا يقلق المرء فيه إلا على رسومه الدراسية وتحسين معيشته، مع ذلك لم تجرؤ لا هي ولا «جبهة النصرة» على المساس بأمن إسرائيل رغم قرب المسافة. وحركة حماس التي تعلن أنها حائط الصد ضد العدو الصهيوني توقفت عن عملياتها داخل إسرائيل منذ توليها السلطة قبل 13 عاما، وكل حرب تفتعلها مع إسرائيل كانت تفاخر بعدد الضحايا المدنيين من الفلسطينيين الذين يتساقطون تحت وابل النيران الإسرائيلية وتعلنهم شهداء، ثم تمد يدها بعد توقف الحرب إلى الدول المانحة للمساعدات لإعادة بناء ما هدمته الحرب، ومعروف أن «حماس» و«الجهاد» الإسلاميين مقاولو بناء، لتصبح هذه الحروب المفتعلة «بزنس» سخيا يدر عليهم الأموال كل 3 سنوات.

أما حزب الله الذي اصطادت إسرائيل عملاءه الـ6 بالأمس فقد وضع نفسه في مواجهة عسكرية معها في وقت حرج بعد أن هددها قبل أيام، إذ عليه الآن أن يرد على هذه العملية التي استهدفت قيادات كبيرة من الحزب ومن الحرس الثوري الإيراني، فسكوته في هذا التوقيت دليل أنه متورط حتى أذنيه في سوريا، وأن قدراته العسكرية مشتتة. كان أحد أهداف إشعال حزب الله حرب 2006 مع إسرائيل كسب الشارع العربي واستمالته لمحور المقاومة كما سموه، وقد نجح الحزب في هذا بامتياز، حتى أهل السنة كتبوا شعرا في نصر الله خلال تلك الحرب، وظلوا في حالة الإعجاب والانبهار حتى انطلقت الثورة السورية وتسجيل حزب الله موقفه من السوريين الذي ملأ النفوس غلا ضده خاصة بعد أن أصبحت الحرب في سوريا حربا على المكشوف وفيها أعلن حسن نصر الله أنه يتبع ولاية الفقيه وأن إيران شريكه في الدفاع عن نظام الأسد.

نعم الحقيقة أن العدو الإسرائيلي يعيش وسط هذه الأجواء المحمومة آمنا مطمئنا، جزءا استثنائيا من المنطقة، كأنها حجر صحي في منطقة موبوءة بطاعون الحروب والاقتتال، وقد نجح نتنياهو في استفزاز مشاعر الأوروبيين والمسلمين بدعوته اليهود للهجرة إلى إسرائيل، فاليهود جالية معرضة للخطر في أوروبا كما هو حاصل، ويهود إسرائيل أكثر استقرارا منهم.

نحن نعيش في زمن الأعاجيب! وإلا من كان يصدق أن إسرائيل التي دخلت حروبا كبيرة مع العرب في 48 و67 و73 في القرن الماضي، وحروبا أصغر مع حماس وحزب الله في السنوات العشر الماضية، تعير أوروبا الآمنة المتحضرة المستقرة الغنية بأمنها!

[email protected]