الفكر الحاكم في المغرب!

TT

لا يمكن أن تكون في المغرب، ثم لا تتوقف أمام الأداء السياسي لعبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، وكيف أنه يتطور يوما بعد يوم، بامتداد ثلاث سنوات له في الحكم مضت!

وما أقصده تحديدا بالأداء السياسي هنا، هو خطابه مع الناس، وهو خطاب بدأ ذات يوم بأن قال الرجل إنه جاء كرئيس حكومة، إلى منصبه، ليحل مشاكل المواطنين، لا ليفرض عليهم رؤيته للإسلام!

ثم مر الخطاب ذاته، بأن قال ابن كيران، في كلمة له مع أعضاء في حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه، يوم السبت قبل الماضي، في مدينة سلا القريبة من الرباط العاصمة، إن هدفه، كرئيس حكومة محسوب على التيار الإسلامي بوجه عام، إنما هو إصلاح المجتمع، لا أسلمته!

وفي اللقاء نفسه، قال ما هو أهم، حين صرح بأن المرجعية الإسلامية لحزبه، لا تعطيه أي أفضلية على باقي القوى السياسية، ولا على سائر المغاربة عموما.

أقول هذا، من جانبي، في إطار عام كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، قد حدده منذ وقت مبكر جدا، حين قال يوما ما معناه: أظهروا لنا أحسن ما عندكم، والله أعلم بالسرائر.

فما أنقله عن ابن كيران، هو ما قاله بلسانه، في مناسبات متعددة، منذ صار على رأس الحكومة، ولا بد أن ما قاله، مما أوردته، ومما لم أذكره، يدعوك إلى التوقف أمامه، وإلى تأمل مثل هذه المعاني المتضمنة فيه، ثم يدعوك في الوقت نفسه إلى التساؤل بقوة، عن السبب الذي جعل هذا المنطق العاقل المعتدل يغيب عن الجماعة الإخوانية في القاهرة، بحيث بدت، وهي في الحكم، لعام كامل، ثم وهي خارجه لعام ونصف العام إلى الآن، أبعد الناس عن الاعتدال، وعن المنطق، وأقربهم إلى التطرف، وإلى الإيمان بالعنف، وإلى الاعتقاد في الإرهاب، بل وإلى الدعوة لكل ذلك، والترويج له، والدفع إليه، بين المصريين؟!

قد يكون رئيس الحكومة المغربي، قد قال بهذا، ابتداء، عندما شاهد بعينيه، ما جرى للإخوان في مصر، ثم في تونس، بل وفي ليبيا.. غير أن هذا، حتى وإن كان قد جاء من ناحيته، على سبيل رد الفعل، لا الفعل، يظل محسوبا في ميزانه، كسياسي في السلطة، أكثر منه مخصوما من رصيده كسياسي أيضا!

وقد يكون قد قال ما قاله مؤخرا، تحت ضغط ما صرح به الفريق ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي السابق، عندما تنبأ قبل ثلاثة أسابيع، بسقوط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة.. غير أن هذا، بدوره، يظل في ظني، من بين ما يجب حسابه لرئيس حكومة المغرب أكثر منه ضده!

وقد يكون، للمرة الثالثة، قد أطلق ما أطلقه، من عبارات، يوم السبت قبل الماضي، ردا على ما كان حميد شباط، رئيس حزب الاستقلال المغربي المعارض، قد أطلقه هو الآخر، في الصفحات الأولى من الصحف المغربية، عندما راح يؤكد، كمعارض، أن حكومة ابن كيران الحالية، إنما هي سحابة صيف!

ولكن، أن يقول الأخير، إن هدفه هو إصلاح المجتمع، وأن أسلمة المجتمع ذاته، ليست من بين أفكاره، ولا أولوياته، فهذا ما لا بد أن يستوقفنا جدا، إذا قورن في لحظته، بما كان الإخوان في القاهرة قد بادروا إليه، من أول يوم لهم في الحكم، فسارعوا إلى العكس، بزاوية 180 درجة، أي أن كل همهم كان أسلمة المجتمع لا إصلاحه أبدا!

والمدهش حقا، أنهم كانوا يفعلون ذلك، وينخرطون فيه، بغباء من النادر أن تجد له نظيرا في بابه، وإلا، فما معنى أن يعين محمد مرسي وزيرا إخوانيا، لوزارة الثقافة نفسها، بكل ما لها من رصيد في وجدان المصريين، وبكل أيضا ما لها من تراث مع وزراء تولوها من قبل، من وزن ثروت عكاشة، ومنصور حسن، وفاروق حسني!

نعرف بطبيعة الحال، أن ابن كيران يحكم مع ثلاثة أحزاب أخرى، ولا يحكم منفردا، ثم يعرف هو أنه حصل في الانتخابات التي جاءت به رئيسا للحكومة، على 107 مقاعد، من أصل 395 مقعدا هي إجمالي عدد مقاعد البرلمان المغربي، غير أنه يعرف ما هو أهم من هذا كله.. يعرف أن عليه أن يتكلم لغة يفهمها رعاياه، وأن عليه أن يستوعب ما يجري حوله، سواء في المنطقة أو في العالم، ويعرف كذلك أن المزاج العام، مغربيا، وعربيا، لا يحتمل بعد كل ما عايشناه، وعانيناه، لأربع سنوات مما يُقال عنه إنه ربيع عربي، أن يأتي من يكلمه، كمزاج عربي عام، بعد كل ما كان، عن حكم إسلامي، أو عن حكم ديني، أو عن أسلمة، أو.. أو.. إلى آخر ما يتحسس الواحد منا، عقله، إذا ما سمعه، هذه الأيام!