ثقافة «المنصورية»!

TT

الثقافة هي نتاج الإرث التراكمي من المعرفة لأي شعب وأي بلد، ووجوده والاعتناء به، وطبعا قبل ذلك الاعتراف به أساسا، هو الذي يمكّن الدول من بناء جسور الثقة للتواصل الحضاري مع ثقافات العالم الأخرى.

وفي السعودية، ذلك البلد الذي به قبلة المسلمين ومرقد سيد البشر، عليه الصلاة والسلام، كان هناك جدل لا ينقطع حول أولوية طرح «الثقافة السعودية»، وذلك كمشروع حضاري وإنساني؛ نظرا لأن هذا الطرح كان يواجه بمحاربة تلقائية من الخطاب المتشدد، والذي كان يرى أن هذه المسألة ما هي إلا خطاب «تغريبي»، و«يهدد كيان الدين»، وغير ذلك من التهم المُقَوْلبة سلفا.

ومن الشخصيات الاستثنائية التي أخذت على عاتقها منذ فترة طويلة جدا مهمة إبراز الجوانب الجمالية في الثقافة السعودية - كانت وما زالت - الأميرة جواهر بنت ماجد بن عبد العزيز، عن طريق مؤسستها المتخصصة في هذا المجال المميز، وهو إبراز الهوية الثقافية للمناطق المختلفة حول السعودية. وكانت دائما تركز على ذلك من خلال العمل الفني التشكيلي، سواء المرسوم منها أم المنحوت. وتبنت المؤسسة والأميرة جواهر الكثير من المواهب الفنية ورعت معارضهم وأعمالهم في الداخل السعودي وحول العالم، وتم تدوين هذه الأعمال بالشكل اللائق والمحترم، سواء أكان عن طريق الأسلوب التقليدي المطبوع أم الرقمي العصري الحديث وبترجمة إلى لغات مختلفة. وطوّرت الأميرة جواهر مفهوم «معرض للفنون التشكيلية» إلى مهرجان حقيقي متكامل، شديد الاعتناء بالتفاصيل الدقيقة والإعداد المحترف المهني الذي يواكب أهم المناسبات العالمية الشبيهة له.

وفي هذه الأيام تنطلق في جدة فعاليات مهرجان «39 - 21» الذي يقام سنويا وبنجاح كبير، وتستعرض فيه تجارب لفنانين تشكيليين على مدى 3 أشهر، وتصاحبه فعاليات أقل ما يقال عنها، إنها فعاليات مبهرة. وهذه المناسبة تعكس في واقع الأمر شخصية الأميرة جواهر التي يسميها كل من يعرفها «وزارة ثقافة متحركة»، فهي مطلعة نهمة جدا على ثقافات الشعوب والأمم، ومتحدثة وبطلاقة للغات مختلفة ودارسة بتعمق شديد للتاريخ؛ فهي تعيش الثقافة وتعي وتدرك تماما أهميتها وقيمتها الإنسانية. ولا تزال تجاربها في الذاكرة مع شادية، عالم الفنانة التشكيلية، التي كانت لها مع مؤسسة «المنصورية» علاقة مميزة جعلت «الخطوط البريطانية» تتبنى أحد أعمالها على طائراتها ضمن حملة مميزة اختيرت فيها أعمالٌ محددة لأهم فناني العالم، وكذلك تبنيها منذ البدايات الأولى لفنان الجنوب التشكيلي المميز عبد الله حماس، وها هي اليوم تقدم منسوجات المناطق السعودية المختلفة، وفيها إبراز صريح لهوية وتراث وعادات كل منطقة مصاحبة للهوية الموسيقية لها في عرض راقٍ ومميز مليء بالعناية والدقة في التفاصيل.

ولعل أبرز تعليق على ثراء وتميز ما قدمته الأميرة جواهر من عناية وطرح بالتراث والثقافة السعودية هو تعليق وزيرة الثقافة البحرينية، الشيخة مي آل خليفة: «ما شاهدته هو عمل يليق بحكومات ووزارات، مميز أن نراه من مؤسسة فردية وسيدة ترأس عملا جماعيا بهذا التفوق».

الثقافة والعناية الجادة والصادقة بها لا تتأتى إلا من أناس جديرين فكرا ومكانة بهذا الشيء، والنتائج ورد فعل الحضور، دائما هي أبلغ دليل على نجاح مبادرات «المنصورية» والأميرة جواهر، فجهدها لإبراز التراث والثقافة السعودية أقل ما يقال عنه، إنه مميز ورائع.