قطعة أرض جوار إسرائيل !

TT

اخطأ الذين استخفوا بدعوة صدام حسين الى اعطائه قطعة ارض جوار اسرائيل ليقضي على الصهيونية.

ولم يصب الذين ضحكوا، في السر او في العلن، لاقتراحه بتوجيه انذار الى اسرائيل بان توقف اعمال القمع ضد الفلسطينيين خلال اربع وعشرين ساعة، فان لم تفعل يعمد العرب الى استلال السيوف من اغمادها.

وزلّ الذين اعتبروا ان ما نشر على لسان الرئيس العراقي في الرابع من الشهر الحالي ليس اكثر من هذر وهلوسة برع فيهما، في غضون السنوات الاخيرة على وجه التحديد.

فصدام حسين كان صادقا كل الصدق وجادا كل الجد في ما قال هذه المرة خصوصا، والذين يعرفونه يقدرون انه كان واعيا تمام الوعي ومدركا كامل الادراك لما يقول، وانه لم يكن مرددا، فحسب، كلاماً كتبه له كاتب خطاباته.

انه يعرف ان دعوته لن يستجاب لها، وان اقتراحه لن يؤخذ به.

وهو ـ صدام ـ يعرف ان العرب، باغلبيتهم، يستخفهم الطرب، وتطربهم الشعارات الكاذبة، وتأسرهم وتُسكرهم الكلمات الصاخبة، وان كانت جوفاء من كل معنى.

انه يعرف ان ظرفا مشحونا ومختلطا ومتداخلا، كظرف انتفاضة الاقصى الحالية، هو مناسبة مثلى للمزايدات والدجل والنفاق السياسي.

يعرف ان احدا لن يقول له: تفضل هذه قطعة الارض المطلوبة فأرنا ماذا تفعل.. ويعرف اكثر ان ليس بين الحكام العرب من هو مخبول الى الحد الذي ينسى فيه ما فعله صدام في الكويت لكي يتنازل له بالذات، عن قطعة ارض من بلاده.

وهو ـ صدام ـ يعرف ايضا انه حتى لو وجد المخبول الذي سيعطيه قطعة ارض جوار اسرائيل، فانه ـ صدام ـ سيظل يناور ويماطل.. وبعد مائة عام ـ ويكون كل شيء قد انتهى ـ سيقول ان ذلك المخبول الذي اعطاه قطعة الارض فرض شروطا لم تمكنه من تحقيق ما وعد به: القضاء على الصهيونية.

وبالمناسبة، فان صدام حسين حينما جاء وحزبه الى السلطة في انقلاب عام 1968 كان للعراق جيش يرابط في الاردن غير بعيد عن اسرائيل لحماية الاردن والفلسطينيين من اعتداءات اسرائيلية محتملة.. واختلق الانقلابيون مختلف الحجج لسحب ذلك الجيش حتى لا يقال لهم: ارونا ماذا تفعلون تحقيقا لشعاركم الصخاب: تحرير كامل التراب الفلسطيني.

وبطبيعة الحال فان صدام يعرف كذلك ان احدا من العرب لن يتبرع له بجيشه ليقول له: تفضل هذه جيوشنا تحت امرك فخذها الى تل ابيب. فمنذ عشرين سنة اخذ صدام جيشا تعداده نصف مليون جندي ومعه عشرات المليارات من الدولارات (الكويت مثلا، وحدها دفعت له عشرين مليارا) فاتجه شرقا نحو ايران بدلا من اسرائيل التي هي في الغرب، وعاد مهزوما وخائبا فاستزلم منذ عشر سنوات على اصغر جيران العراق واضعفهم (الكويت). وفي النهاية تحول «طريق القدس يمر بعبادان» الى كارثة وطنية وقومية شاملة خسر فيها الجميع ولم ينتفع غير اسرائيل وحلفائها الكبار.

وباختصار، كان صدام يعني ما قاله اخيرا.. فلقد اراد ان يضحك على الجماهير الفائرة الثائرة.. وها هو يضحك كثيرا في سرّه على كل من صدّقه بشأن قطعة الارض جوار اسرائيل واستلال السيوف من اغمادها! [email protected]