القوى المعبأة

TT

من اراد ان يؤرخ للانتفاضة سيجد انها من صنيعة القمة العربية التي عقدت استثنائيا في العاصمة الاردنية، عمان والتي خصصت لمباركة العراق لانتصاره على ايران، او بعبارة ادق لمباركته على سلامته من الحرب. كان الاجتماع العربي الوحيد الذي عقد على مستوى القمة، ونسي الزعماء فيه الاشارة الى القضية الفلسطينية. وانتهى الاجتماع وسط خيبة أمل واستغراب القوى الفلسطينية حينها لتجاهل المؤتمر وجودهم ومطالبهم. منذ ذلك اليوم والحجارة صارت لغة السياسة الفلسطينية في قاموس الصراع مع اسرائيل. ويبدو ان فتيان الحجارة اوصلوا الجميع الى وضع حرج للغاية. ووضعوهم في موقف صعب، القيادة الفلسطينية والمجموعة العربية واسرائيل والدول الكبرى ايضا. وربما اوصلوا المنطقة الى حالة حرب لم تكن محسوبة او مخططا لها.

فهل سورية راغبة في الحرب؟ وهل هناك في لبنان من يريد مواجهات جديدة؟ وهل ابو عمار مستعد ان يقبل بالمخاطرة بما حققه من مكاسب لقضيته وشعبه، فيعرض الاراضي التي حررها لاحتلال اسرائيلي؟ بالتأكيد لا احد من هذه الاطراف راغب في دخول مغامرة من دون استعداد للانتصار فيها. اسرائيل نفسها ليست قادرة على خلق مواجهات جديدة رغم تهديداتها الحادة باعلان الحرب على الجميع، فهي في وضع لا يسمح لها عالميا بان تمارس ما فعلته عام 82 عندما احتلت بيروت ثم استقرت في الجنوب. تغيرت اوضاع العالم منذ ذلك الحين وتبدلت معها ظروف المنطقة ولم يعد ممكنا شن حرب جديدة من دون عواقب وخيمة. وما حدث لاسرائيل بعد تحدي رئيس حزب الليكود الاسرائيلي آرييل شارون اهل مدينة القدس من رفض دام يعبر عن هذا التغير، وهو الذي كان يتكرر حدوثه في الماضي من دون رادع. قد تفكر اسرائيل في ان الحرب، صغيرة ومحدودة، هي الحل لأزمتها حتى تعيد ترتيب الاوضاع وتضع العرب امام نتائج اكثر صعوبة عما كانت عليه قبل الانتفاضة الاخيرة. لو فعلت فانها ترتكب حماقة اعظم من حماقة اقتحام الاقصى، فهي ستطلق كل قوى المنطقة المعبأة والمحاصرة في زجاجاتها. ولو انطلقت هذه القوى فان اسرائيل ستجد نفسها محاصرة. ان مشاركة فلسطينيي الـ48 في معارك الشوارع نموذج لهذه القوى التي ظلت حبيسة زجاجاتها.

ويدهش البعض من ظهور قوى مثل هذه تكاد تكون مجهولة الا عندما تفك عقالها مثل هذه الازمات. الحقيقة هذه القوى موجودة وكل ما تحتاج اليه عود ثقاب واحد حتى تنفجر، وهذا ما فعلته اسرائيل، فالفلسطينيون ملوا من معاناة الانتظار، خاصة مع تعاظم الوعود في آونة المفاوضات الاخيرة التي رافقتها خيبات أمل كبيرة. حرب كلامية خلقت مناخا متوترا جدا قد تقود الى حرب غير مقصودة.