وماذا إذا فعلت ؟

TT

وجه ايهود باراك انذارين: الاول الى الفلسطينيين والثاني الى اللبنانيين. المهلة الاولى يومان والثانية اربع ساعات. وبدا الانذاران مثل صفارة شرطي سير في نيجيريا. فأي علاقة هنا بين المشكلة وبين الحل. واي علاقة بين عمر المشكلة وعمقها وامتدادها وبين التهديد. وبماذا يهدد باراك؟ انه يهدد بوقف المفاوضات مع الفلسطينيين. حسناً. لكن الى ماذا ادت المفاوضات حتى الآن، وماذا سيخسر الفلسطينيون اذا توقفت. وكم مرة ضرب لبنان وضربت بيروت وشرد اللبنانيون، والى ماذا ادى ذلك سوى الى هزيمة الجيش الاسرائيلي في الجنوب؟

الذي يتجاهله ايهود باراك، ومعه اسرائيل، ان المسألة ليست في الضفة الغربية ولا على الحدود اللبنانية وانما عادت الجبهة العربية الى كل مدينة وقرية عربية. وقد خرج الكويتيون للتظاهر مع الفلسطينيين وخرج اهل مسقط عن «هدوئهم» المشهور لكي ينضموا الى عموم العرب. تلك هي الجبهة العربية الحقيقية التي لا تحسب آلات الكومبيوتر حسابها ولا يعرف خبراء الجامعة العبرية مدى ترابطها. وعندما يجد باراك ان امرأة فلسطينية محجبة نزلت الى الشارع مع حجارتها وان فتى فلسطينيا عاد الى منزله جثة ممزقة وان الحياة عادت من جديد الى الرأي العام العربي، عندها تبدو الانذارات مضحكة مهما كانت مدمرة، لانها في النهاية لا تحل اي شيء. اي شيء.

على باراك ان يوجه انذاراته الى جبهة عربية لا حدود لها. لا هو يعرف عمقها ولا احد يعرف طولها. وهذه الجبهة لم تنتفض فقط ضد الرصاص المطاط الذي ملأ اسرة المستشفيات بألف جريح ومصاب وشهيد، بل هي تنتفض ضد الذين سارعوا الى اقتسام تركة القضية العربية وتقاسم جثثها. انها تنتفض ضد الذين ظنوا ان اليقظة العربية ماتت الى الابد ولم يبق شيء سوى دراسة لوائح الشركات والوكالات في مؤلفات شمعون بيريز.

مشكلة ايهود باراك، ومعه اسرائىل، اعتقاده انه استطاع ان «يحصر» الجبهة العربية. وان الحل هو في التوافق مع شارون ونتانياهو وعوفاديا يوسف حول «مواجهة» المشكلة متحدين. لكن القضايا الهائلة الحجم لا يحلها الرجال الصغار. لقد ادار ديغول ظهره للوحدة الوطنية من اجل ان ينقذ فرنسا في الجزائر. وادار اف. دبليو دكليرك ظهره لحلفائه من اجل ان ينقذ البيض في جنوب افريقيا. وادار بيار منديس فرانس ظهره للسياسيين والعسكريين من اجل ان يخرج فرنسا من الهند الصينية.

ان «سلام الشجعان» لا يعني ان يسلم العرب كل شيء ويعودوا الى بيوتهم. بل هو يفترض قيام حاكم اسرائيلي يدرك ان اربع حروب كبرى لم تحل اي شيء وان الاحتلال لم ينه اي شيء وان الجيوش المحتلة تسقط في نهاية المطاف امام فتى سقط في الطريق الى منزله. يجب على ايهود باراك ان يوجه الانذارات الى اسرائيل وان يدرك ان الجبهة العربية ابعد من لبنان واعمق من رام الله.