من الأسموكنج إلى الكاجوال!

TT

عندما كتبت مقال امس عن المستمع السعودي سألت نفسى لماذا تغير الغناء في السعودية والبلاد العربية عموما.. لماذا لم يعد عندنا ام كلثوم اخرى.. ولا عبد الحليم آخر، ولا طلاح المداح ولا فيروز ولا عبد الوهاب؟

ووجدت الاجابة في التغيير الاجتماعي الذي ادى الى تغيير ذوق المستمع.. لقد كان عبد الوهاب يحمل لقب مطرب الملوك والامراء.. فما هو اللقب الذي يمكن ان نعطيه لهشام عباس ومحمد فؤاد وحكيم.. وكانت ام كلثوم تغني امام جمهور من الطبقة الراقية يذهبون الى فيلاتها بالملابس الكاملة الاسموكنج احيانا والسيدات في الفساتين الفاخرة والحلي الزاهرة.. وحتى حفلات عبد الحليم ـ وعليك ان تشاهد افلام الفيديو ـ كان يغني لجمهور من الشباب والمثقفين وربات البيوت بشكل محترم.. وفي جو يشيع فيه الهدوء او حتى الصخب الجميل.

الآن تغير المطرب والمستمع فتغيرت الاغنية.. تحولت ملابس المطرب الى ارتداء الكاجوال، فظهر المستمعون بالمايوهات كما يحدث على شواطئ الاسكندرية.. وعندما يتحرر الانسان من ملابسه يتحرر من تقاليده وعادته وربما من اخلاقياته ايضا.

ان طبقة المستمعين الجديدة مكونة من الحرفيين الذي انتقلت اليهم الثروة او جزء كبير منها، وهؤلاء من النجارين والسباكين والسمكرية وسائقي التاكسي وغيرهم.. هؤلاء جنوا الثروة او جزءا منها خلال العقود الاخيرة واصبحوا هم المستهلكين للفن سواء في الغناء او السينما او المسرح.. وهؤلاء ليس منتظرا منهم ولا مطلوبا منهم ان يستمعوا الى موسيقى باخ وبيتهوفن وموتسارت ولا حتى موسيقى عبد الوهاب والسنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي.. انهم يريدون ان يعلنوا فرحتهم بالمال بأعلى صوت وعلى دقات الطبول تساعدهم التكنولوجيا على احداث اكبر ضجة، وهم ينهمكون في الرقص والغناء مع المطرب في هذا الجو المحموم.

وليس بعيدا ما جرى للاغنية كما جرى في السينما.. فقد تبوأ عرش الكوميديا محمد هنيدي وهو نفسه «الواد بليه ودماغه العالية»، وهنيدي يخاطب نفس الطبقة من الناس.. الطبقة الجديدة التي فرضت شروطها وذوقها على الفن في مختلف مجالاته.

عندما يعود الفراك والاسموكنج والناس الذين تربوا على موسيقى الحجرة سيعود عبد الوهاب وعبد الحليم وام كلثوم.. ولكن الكاجوال يفرض شروطه وبعد الكاجوال سيكون المطرب والمتفرج عاريين.. والفن عاريا ايضا.

=