الشعراء في إخوانياتهم

TT

لا بد ان القارئ لاحظ ان الكثير من الشعر الاخواني يدور حول الاكل والولائم. وهل من شيء اكثر من الأكل أجدر أن يكون مصدرا لوحي الشعراء؟ الحقيقة هي انني وجدت شعراءنا اصدق ما يكونون عندما ينظمون الشعر بشأن المأكلات والمأكولات. كل ما نسمعه منهم من مدائح ومراث وقصائد وطنية بل وحتى الغزل زيف وكذب ونفاق. غزلهم بالأكل هو الشيء الوحيد تقريبا الذي يقولونه من اعماق قلوبهم. وربما لا ينافسه في صدقه شيء غير ما يقولونه في باب الهجاء وشتم الآخرين. ومن زاويتي الخاصة لا استمتع بشيء من الشعر كما استمتع في ما يقال من غزل بالمحشي والدولمة والمقلوبة ونحوها مما لا يجلب للنفس غير المتعة والصحة.

عقد بعض شعراء النجف الاشرف وادبائها وليمة عشاء في اوائل القرن الماضي. حضر القوم مشمرين عن سواعدهم ليجدوا ان القطط قد سبقتهم الى المطبخ واكلت كل ما فيه من لحم ودسم. اهاج ذلك وجدان الشاعر النجفي جعفر الحلي، فتفتقت قريحته عن قصيدة عصماء، استهلها قائلا:

وا أسفا على العشا مطبقا مكشمشا قد ظفر الهر به ونال منه ما يشا ذاعت القصيدة بين الناس، كما لم تنله أي قصيدة اخرى وغناها المطرب الشعبي سلمان بهلوان. وراحت الامهات العراقيات يترنمن بها لاولادهن. بعد بضع سنوات حركت قريحة شاعر آخر، الاستاذ البغدادي المعروف بأبي هريرة، في وقت كان له هر توله به، فاستوحى تلك القصيدة عن لسان الهر. وكان كما اعتقد الهر الوحيد في التاريخ الذي استطاع ان ينطق بالشعر العربي الفصيح وبأوزان الفراهيدي، وهو ما يعجز عنه سائر شعراء الحداثة:

بشبشته فبشبشا دعوتُه فانتفشا وقال: «هات لحمة عامرة ومشمشا ألا تراني ناحلا مبهدلا، مهمشا تطعمني الفول وخبزا أسودا مكرمشا سكرانُ من جوعي وما كنت أنا محشِّشا فصرت عند معشر الفئران أدعى كشكشا» فقلت: «جيبي فارغ كواه دهري بالنِشا وصرت من عشق الكتابِ ضائعا مدروشا فالزمن الراهن للجاهل فهو قد فشا».

فرد: «لست هازلا ولا أحب الدردشا قم جئني باللحمة والطبيخ كي أفرفشا» فرحت نحو صاحبي مستنجدا، مرتعشا ملتمسا أن يملأ القدر لهري في العشا لكنه أصم أذنيه كما لو طرشا منغمسا في كأسه منتعشا، مُطنِّشا فرحت للمطبخ كي أسرقه وأنتشا لكنه هبّ من النشوة ثم هوّشا وجاء بالساطور كي يذبحني ويهرشا والتحم الجسمان في معركة والتطشا كأنها ملحمة التاريخ: من قد بطشا؟؟

فانسكب الطبيخ فوق ملبسي وافترشا ورحت للمنزل في بهدلة مطوّشا فانقض هري لاعقا ملابسي منشنِشا ولاحساً عمامتي ولحيتي، وخرمشا وقال: «يا أوفى صديق هكذا يحلو العشا عُد كل يوم بطلا تحمل لحماً والحشا وعش بنصر رافعاً أعلامنا مُحنفِشا»..