واشنطن والمؤتمر العراقي

TT

للمرة الثانية خلال خمس سنوات تغلق الولايات المتحدة صنبورها المالي وتوقف تدفق الدولارات على «المؤتمر الوطني العراقي» المعارض. والسبب المعلن هذه المرة ينطوي على طعن ضمني بالذمّة المالية والقدرة الادارية لزعماء هذه الجماعة وادارييها. فالمتحدث باسم مكتب الشرق الادنى في الخارجية الاميركية قال، تبريراً للاجراء، ان «الرقابة المالية ـ من جانب ادارة المؤتمر ـ لم تكن كافية ولا تستوفي متطلبات القوانين الاميركية» و«انهم لا يستطيعون ادارة الاموال المقدمة اليهم».

لكن بعيدا عن هذا الطعن، يعكس هذا الاجراء والحال التي آل اليها «المؤتمر الوطني» فشل السياسة الاميركية حيال العراق. ويرجع هذا الفشل الى ان هذه السياسة غير واضحة. فبينما يعلن المسؤولون الاميركيون، على اختلاف اداراتهم، انهم يريدون تغيير حكومة الرئيس العراقي صدام حسين، ويتطلعون الى قيام نظام بديل ديمقراطي، كانوا يتصرفون على الارض على نحو مختلف. فالواضح انهم لم يريدوا اكثر من ابقاء صدام في القفص. واهتموا بكشف اسرار الصناعة العسكرية العراقية ونزع اسلحة الدمار الشامل اكثر بمرات ومرات من اهتمامهم بتغيير النظام. وحتى الاشارات التي ارسلوها للتعبير عن رغبتهم في التغيير كانت ضعيفة للغاية، فقد اظهروا ميلا الى جماعات وافراد في المعارضة لم تكن فعالة وحاولوا فرضها فرضا. وعدم وضوح السياسة الاميركية تجلّى ايضاً في انها لم تحدد على نحو بيّن ما اذا كانت تريد لـ«المؤتمر الوطني» ان يكون اداتها للتغيير ام مجرد واجهة سياسية واعلامية للتمويه على اداتها الحقيقية او لمجرد «الشوشرة» و«الخربشة» على حكومة صدام للضغط عليها من اجل تحقيق متطلبات نزع اسلحة الدمار الشامل وسائر شروط وقف اطلاق النار في حرب الخليج الثانية. وكانت نتيجة هذا كله ان واشنطن ساهمت في تخريب جبهة المعارضة العراقية التي سعت الى لملمة صفوفها بعد غزو الكويت خصوصا.

لا تستطيع كل اموال الدنيا ان تصنع معارضة حقيقية وفعالة. وحتى لو امكن عن طريق هذه الاموال انشاء هياكل ومؤسسات فانها تظل عاجزة عن تحقيق اي شيء ما لم تحض بثقة جمهورها، ولا يمكن انتزاع ثقة شعب بمعارضة تقام في الخارج تكون موجودة حينما تفتح الخزائن وتنتهي باغلاق صنابير الدولارات، كما هي عليه حال «المؤتمر الوطني العراقي» منذ ان انشئ قبل عشر سنوات حتى الان.

افضل ما تفعله الولايات المتحدة، وغيرها ايضا، للعراق هو ان تترك العراقيين وشأنهم.. يحددون بأنفسهم من يكون زعماء معارضتهم وكيف تُشاد هياكل ومؤسسات هذه المعارضة. فالملايين العراقية المنفية في الخارج ـ والكثير منها ميسور الحال ـ تستطيع ان تجمع سنويا ما يعادل الاموال التي تنفقها واشنطن على «المؤتمر الوطني» من دون جدوى، والفرق ان الهياكل والمؤسسات التي ستقام بهذه الاموال ستكون محترمة وجديرة بالثقة ومؤثرة في العراقيين المقيمين في الداخل الذين لن يستطيع احد غيرهم ان يكون اداة لتغيير حكومة صدام حتى لو امسك بعصا موسى.