حماقات الإدارة

TT

اكتشفت قبل بضعة ايام ان كل سجين في السجون البريطانية يكلف الخزينة خمسة وعشرين الف باوند سنويا، وهو ما يحلم به اي خريج جامعة في بريطانيا يحمل شهادة ماجستير. قلت لنفسي، اذا كان الامر كذلك فلماذا لا يدفعون للسجين هذا الراتب السنوي ويقولون له اختر لنفسك اي بلد جميل ودافئ وعش هناك ونحن ندفع لك هذا الراتب واكفنا شرك؟

طبعا سيثور علي كل هؤلاء المئات من الموظفين والمدراء والحراس الذين يعيشون من حراسة وادارة شؤون السجون. سيقولون لي ما تخاف ربك؟ ونحن ماذا سنعمل؟ وجوابي المختصر هو ان يعرضوا عليهم نفس الحل. اختاروا اي بلد يعجبكم ونحن ندفع لكم رواتبكم هناك ولا حاجة لكم لتقوموا بأي عمل. بعد قليل سنجد السجناء والسجانين يعيشون معا في بلاد مشمسة جميلة كمصر او لبنان او المغرب في وئام واحترام متبادل بدلا من كل هذه العكننة وروح الكراهية التي تربطهم الآن.

لا شك انني اتوقع الجواب على هذا الاقتراح سيكون ان مثل هذا الحل سيشجع الناس على الاجرام، سيكافئ السارق على سرقته باجازة مترفة ويسارع الجميع الى ارتكاب الجرائم. بدلا من البحث عن عمل سيبحث العاطل عن جريمة تعطيه راتبا افضل. ولكن العاطلين يرتكبون الجرائم الآن على اي حال. فلماذا لا تنفق ميزانية السجون على العاطلين والمحتاجين وتحسين احوالهم بدلا من الانتظار حتى يرتكبوا جريمة ثم نضعهم في السجون ونصرف عليهم هذه المبالغ؟

ولكن هناك حماقة اكبر بكثير ترتكبها اسرائيل باستمرار، وانها تنفق مليارات الدولارات سنويا على الجيش والامن والمخابرات والدعاية والدبلوماسية وتفقد العديد من ابنائها. وكل واحد منهم يساوي ملايين الدولارات، وهو ثمن متواضع بالنسبة للمواطن الاسرائيلي المدلع. وكل ذلك لقمع مقاومة الفلسطينيين. لماذا لا تنفق هذه الاموال عليهم وتقول لهم صيروا عقالْ وكفاية تعملوا لنا دوشة؟ لماذا لا تنفق الملايين التي تأتيها من امريكا لأغراض الدفاع على تحسين احوال الفلسطينيين ورفع مستواهم الى مستوى اليهود الاسرائيليين فيزول الدافع الرئيسي لمقاومتهم؟

هذه حماقات ذكرتني بالحماقة الاخرى التي ارتكبها لويس السادس عشر. كان هذا الرجل من المهتمين بالعلوم الحديثة وافكار المدرسة العقلانية. واستعمل معرفته هذه في تصميم وسيلة جديدة متطورة لإعدام المجرمين والمعارضين، وهي المقصلة (الغيلوتين)، بدلا من استعمال معرفته العلمية والعقلانية في اصلاح الوضع في فرنسا وتحسين احوال الرعية، ترك الامور كما هي وراح يصمم ويصنع اداة اكثر كفاءة في تصفية كل من يعترض على تلك الاوضاع. لسوء حظه كانت المقصلة التي صنعها وساعد في تصميمها هي الاداة التي استعملت في تنفيذ حكم الاعدام الذي صدر عليه. ولكن لماذا اقول لسوء حظه، الافضل ان اقول لحسن حظه، فقد كانت وسيلة متطورة اعطته نهاية سلسة سريعة قليلة الالم. وفي هذا الاطار لم تكن حماقة تماما، فقد كانت وسيلة كفوءة في تصفية حياة ألوف الفرنسيين عبر السنين.