سيد الخواتم ـ الفيلم والكتاب (1 من 2)

TT

ان تحكي عن فيلم «سيد الخواتم» دون ان تعبر بالكتاب الذي صار اسطورة في حياة صاحبه مسألة معقدة بعض الشيء، فسيد الخواتم ليس كتابا مميزا ولا ناجحا ولا ممتازا فحسب لكنه كتاب القرن العشرين دون منازع فقد حصل ذلك الكتاب في جميع الاستفتاءات الغربية على المرتبة الاولى بين اهم مائة كتاب في القرن الماضي الى درجة ان رواية مثل «يوليسيس» لجيمس جويس جاءت بعده بمراحل.

و«سيد الخواتم»، الرواية المؤلفة من ثلاثة أجزاء لا يمكن ان تقارن بالكتب الأخرى، فجون رونالد تولكين لم يكتب رواية بالمعنى المألوف انما صنع عالما مستقلا عن العالم الذي نعرفه، واخترع لشخصياته من سكان الارض الوسطى لغاتها وانسابها وتواريخها واشكالها ومدنها، وصنع لها تقاليدها وحروبها وفلسفاتها المستقلة عن تقاليد البشر، وفلسفاتهم وانماط تفكيرهم المألوفة.

وبفضل تلك العبقرية النادرة صار الناس يتحدثون عن اجناس لم تسمع بها علوم الانثربولوجيا من قبل. فحين يدور الحديث عن جنس الـ Elves والـ The Hobbit تعرف ان المتحاورين يتحدثون عن كائنات كتاب تولكين التي صارت شائعة ويمكن ان تحكي عنها كأصناف مستقلة كالانس والجن لان واحدا من اصل كل ثلاثة قرأ ذلك الكتاب. وفي بعض البلدان كبريطانيا بلد الكاتب يصنفون الناس الى قسمين الذين قرأوا سيد الخواتم لتولكين والذين يضعونها على قائمة الاولوية في سلم القراءة.

ولو عاش تولكين الى هذه الايام لاحتفل الاسبوع الماضي ليس بنجاح اول فيلم مأخوذ عن الجزء الاول من ثلاثيته، ولكن بعيد ميلاده العاشر بعد المائة، فهو من مواليد الثالث من يناير (كانون الثاني) عام 1892. وقد اشتغل بروفيسورا للغة والادب في جامعة اكسفورد، وكان ضليعا بالاساطير فهو الذي حقق الاسطورية الشمالية Beowulf واعاد كتابتها، واهتمامه بالعوالم الاسطورية يفسر قدرته على خلق عوالم موازية ومتعددة لما فوق ولما تحت الوجود البشري.

وقد كتبت ثلاثية تولكين عامي 1954 ـ 1955 والتركيز على هذا التاريخ الذي يأتي بعد تسع سنوات من توقف الحرب العالمية الثانية قد يكون ضروريا لنفهم مشاعر رجل عاش حربين عالميتين في اقل من نصف قرن وشهد ما احدثتاه من خراب في النفوس والحضارة، فاستقال من عالم البشر وطلب اللجوء السياسي والفكري الى عالم الخيال حيث صنع مملكة خاصة له ولكائناته ذات التواريخ المستقلة.

ولمن لم يسمع بها فهناك كتاب خاص عن تاريخ شخصيات سيد الخواتم اسمه: Silmarillion صدر عام 1977 أي بعد وفاة الكاتب باربع سنوات، فتولكين الذي شهد النجاح الاسطوري لكتابه رحل في الثاني من سبتمبر (ايلول) عام 1973 وترك غير كتاب «تاريخ الشخصيات» كتابا وحيدا نشره ابنه كريستوفر تحت عنوان Unfinished tales وقد تم تحويل الجزء الاول من الثلاثية «زملاء الخاتم» بعد قراءة نصف قرن على صدورها الى فيلم سينمائي بتكتم شديد، فلم تتسرب عنه الا لقطات قليلة لزوم الدعاية، فلما وصل الى الشاشات بعد منتصف ديسمبر (كانون الاول) الماضي كانت الاثارة قد بلغت اقصاها، وذاك لم يكن في صالح المخرج بالتأكيد، فبعد ذلك الانتظار ستكون الاسئلة المعهودة على كل شفة: هل الفيلم افضل أم الكتاب..؟ وهل التزم المخرج بالاحداث أم انتهكها كعادة المخرجين في كل زمان ومكان..؟

ومن هذه الاساسيات تتفرع اسئلة أخرى كيف ظهر الهوبيت والإلفز؟ وهل كانت تلك الشخصيات مثلما تم وصفها في الكتاب أم جرى تعديل مظهرها في السينما..؟

وبعد مشاهدة الفيلم قبل الاعياد وتأجيل الكتابة عنه الى ان تنتهي زحمتها يمكن القول ان بعض الاجوبة جاهزة وسنناقشها غدا لفهم بعض الغاز ذلك الخاتم المفقود الذي يمكّن من يمتلكه من التحكم بالمصائر، ويعطيه قوة هائلة قادرة على تدمير الكائنات وتحطيم الأكوان.