الثقة المفقودة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي

TT

لا يوجد مجال لنفي ان احداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من افعال قد امتحنت العلاقات بين الولايات المتحدة الاميركية والعالم الاسلامي، واظهرت النتائج انعداما واضحا للثقة، بل اظهر البعض العداء الذي يصبغ العلاقات، ويؤدي الى مشاكل عويصة للولايات المتحدة وهي تستعد للمرحلة التالية في الحرب ضد الارهاب.

اغلبية المسلمين يعتقدون بأن بن لادن هو الذي رتب للهجمات على الولايات المتحدة، ولكن اتضح من ردة فعل العالم الاسلامي على شريط الفيديو، الذي يتحدث فيه بن لادن بفخر عن تدمير بنايتي مركز التجارة العالمي، ان نسبة كبيرة من الرأي العام في العالم الاسلامي تعتقد بأن الشريط من انتاج اميركي، وبالتالي يتماشى هذا الموقف مع الرأي السائد، بغض النظر عن صوابه او خطئه، بان الولايات المتحدة تستهدف المسلمين في حربها ضد الارهاب وتقتلهم بوتيرة اعلى من غيرهم. اسلوب الحرب الاميركية المتبع في افغانستان وفي مناطق اخرى يعزز ذلك الظن، اذ تعتمد الولايات المتحدة في حربها على القوات الجوية ومعدات حديثة، ولذلك انحسرت خسائرها البشرية اثناء حرب الخليج وكوسوفو في حدود ضيقة جداً بينما كان الدمار على الارض عظيماً وخصوصاً في حالة العراق. في افغانستان قتل المسلمون المسلمين على الارض، وقتلوا من الاميركيين من الجو، ولم تكن هناك خسائر بشرية اميركية تذكر في هذه الحرب ايضاً، بينما يتم اخفاء الارقام الحقيقية للضحايا المسلمين لاسباب سياسية.

يشعر المسلمون ايضاً ان الولايات المتحدة قد خانتهم في حالات سابقة، مثلاً عندما انتهت الحرب الباردة وانهزم السوفيات في اواخر الثمانينات، انسحب الاميركيون بسرعة من جنوب اسيا مما خلق شكوكاً لدى مسلمي المنطقة حول الالتزام الاميركي المعلن باعادة بناء مجتمعاتهم. والان يطالع المسلمون قائمة الدول المستهدفة من واشنطن في حربها ضد الارهاب، فيجدون الدول والمجتمعات الاسلامية تتصدر القائمة: العراق، الصومال، اليمن، لبنان، اندونيسيا، ومناطق من الفلبين. هذا الاستعداء الواضح يغضب الكثير من المسلمين، والاعلام العربي يمتلئ يومياً بالامثلة على صفحات كبريات الصحف حيث مقالات الرأي والتحليلات تدور حول مخاوف واحتمالات صدام الحضارات بين الغرب المسيحي والشرق الاسلامي. حتى عندما تحدث الرئيس الاميركي بوش عن دولة فلسطينية، لم يصدقه الجميع وحذرت الكثير من الصحف في العالم الاسلامي القراء من مغبة تصديق السياسة الاميركية، وطالب المعلقون قراءهم بانتظار النتائج، ويبدو انهم كانوا على صواب حتى الان. حتى تربح واشنطن الحرب ضد الارهاب، فانها بحاجة للقضاء على ردات الفعل السلبية في العالم الاسلامي وانعدام الثقة في اهدافها ومبرراتها، وهذا يحتاج الى حملة مركزة من الدبلوماسية الشعبية في العالم الاسلامي، وهي مهمة تعرقلها مضاعفات تصاعد التوتر في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. الرأي العام العربي مهم بالنسبة للولايات المتحدة، وهذا الرأي غاضب جداً الان على السياسات الاسرائيلية الممارسة في الارض المحتلة واسلوب تعامل اسرائيل مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لهذا فأن التفاعل الاميركي وتنشيط عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية قد يساهمان كثيراً في استعادة الثقة المفقودة.

على الطرف الاخر فأسوأ تصرف اميركي ممكن هو الاستجابة لاراء مستشاري الرئيس بوش بمهاجمة العراق الذي سيعمق الشكوك الاسلامية بالولايات المتحدة. على الاقل ستؤثر مهاجمة العراق على سير الحملة الحالية المضادة للارهاب. لا يوجد خلاف حول الاضرار التي يسببها صدام حسين على امن واستقرار الشرق الاوسط، لكن من الخطأ الجسيم مهاجمته في هذا الوقت، لان وظيفة الولايات المتحدة الاولى هي اقناع العرب والمسلمين ان ضرب صدام لا يعني الحرب على الاسلام. كان مفتاح النصر الاميركي في افغانستان في يد الافغان الكارهين للطالبان والذين تحالفوا ضدهم، والولايات المتحدة بحاجة لاصدقاء جدد في العراق يبغضون صدام ويحلون بدل المعارضة العراقية التي ابادها الرئيس العراقي عام 1996، وبحاجة لكسب تأييد الرأي العام العربي والاسلامي عبر العالم، وحتى الان فشلت الولايات المتحدة في هذا العمل.

الاتجاه الغالب في العالم الاسلامي يتفهم سبب دخول الولايات المتحدة لحربها في افغانستان والسعي لضبط بن لادن وتدمير تنظيم القاعدة، مثل هذا العمل يعتبر دفاعاً عن النفس. لكن العراق لم يهاجم الاميركيين فوق ارضهم. يمكن بالطبع تبرير الهجوم على صدام لان نظامه اضطهد المواطنين وطور اسلحة تدمير شامل تهدد استقرار المنطقة، ولكن هذا وضع منفصل عن الحملة الاميركية ضد الارهاب. اذا هاجمت الولايات المتحدة العراق باسم محاربة الارهاب فأن الكثير من المسلمين سيرون في ذلك مرحلة اخرى في الحرب ضد الاسلام.

من جهة اخرى يمكن للمشاركة الاميركية القوية في اعادة بناء افغانستان ان تخفف من الشكوك وتبرر ملاحقة صدام، اذ تحتاج واشنطن الى اقناع الشعب العراقي ان المزايا لبلادهم من سقوط صدام ستكون مثل فوائد الافغان من هزيمة الطالبان. احدى نقاط النقد الرئيسية للحملة في افغانستان تمثل في تقدم ونجاح العمل العسكري على عكس العمل السياسي الهادف الى اقامة بديل فعال في الحكم لحركة طالبان. كذلك ظهرت الشكوى من تعثر الدعم الاغاثي الانساني، لهذا فمن المهم لواشنطن عمل ما تستطيع لضمان الاداء الجيد للحكومة المرحلية الافغانية لتكسب احترام وثقة الافغان، كما هو من المهم ايضاً ان يشعر الافغان بطول بقاء اميركا الى جانبهم. لا يعني ذلك المطالبة بتحويل كابول الى المدينة المنشودة في عيون المسلمين، ولكن اذا ارادت الولايات المتحدة من المسلمين تصديقها بأن بن لادن قوة شريرة مدمرة، فعليها اقناعهم بان واشنطن قوة خير وبناء. المساهمة في اعادة بناء افغانستان ستؤثر ايجابياً على طريق التوصل لتلك القناعة. تحتاج الولايات المتحدة الان الى الكوادر المثقفة مثلما احتاجت التحالف الشمالي الافغاني، أي جيش من المثقفين المسلمين ليحاربوا معها لكسب عقول وقلوب المسلمين. توفير مثل هذا الدعم سيحتاج الى وقت، ولكن اذا ارادت اميركا حملة دائمة ضد الارهاب فعليها المباشرة في التفاعل مع الرأي العام الاسلامي والعربي الان، وعليها حتماً ان لا تهاجم بلداً اسلامياً آخر.