تهور إسرائيلي آخر

TT

من البديهي أن الآلية العسكرية الضخمة التي تمتلكها اسرائيل قادرة على الحاق اقصى أذى ممكن بالفلسطينيين، وقادرة على اجتياح اراضي السلطة، وقادرة على تدمير ما تبقى من مؤسساتها ومنشآتها. وهذا الفارق الشاسع بين قوة الضرب الاسرائيلية وطاقات المقاومة الفلسطينية، هو ما يعطي كفاح الاستقلال الفلسطيني بعده البطولي. ولكن، بعد قرار السلطة الفلسطينية تعليق عمليات المقاومة، وما اثبتته من التزام جدي بهذا القرار، انعكس، باعتراف السلطات الاسرائيلية، تراجعا ملموسا في «اعمال العنف»، وبات من واجب اي «مسؤول» اسرائيلي يملك بعض الرؤية المستقبلية للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ان يقيس حجم ردة الفعل على اي «عمل عنف» فلسطيني بمقياس الجدوى السياسية اولا... لا الأذى البشري والمادي الممكن ان يلحقه بالجانب الفلسطيني.

إن إقدام سلطات الاحتلال الاسرائيلية امس على هدم سبعين منزلا لسكان مدنيين في قطاع غزة بداعي الرد على هجوم فلسطيني على موقع عسكري قُتِل فيه اربعة جنود اسرائيليين، اجراء لا يعكس عودة حكومة ارييل شارون الى ما وصفته واشنطن يوما بـ«الاستعمال المفرط» للقوة فحسب، بل يشكل ايضا خروجا على اصول اللعبة لجهة استهداف المدنيين الفلسطينيين مقابل استهداف الفلسطينيين للعسكريين الاسرائيليين، وكأن المطلوب اصلا هو استفزاز المشاعر الفلسطينية الى حد يعيد تأليب الشارع على قرار السلطة تعليق عمليات الانتفاضة.

في ضوء هذه الخلفية تبدو ردة فعل المؤسستين الاسرائيليتين، السياسية والعسكرية، على عملية مقتل الجنود الأربعة، في اعقاب فترة من الهدوء في العمليات الفلسطينية ـ وهو الهدوء الذي تجاوز «اسبوع شارون» بأسبوعين اضافيين ـ عملية مدروسة ومقصودة لاعادة دورة العنف الى سيرتها الأولى واحباط مهمة المبعوث الاميركي الجنرال انتوني زيني، وانقاذ ارييل شارون من مأزق مواجهة استحقاق السلام على طاولة المفاوضات.

إلا ان السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا التطور هو: هل تعود واشنطن الى «تذكير» اسرائيل بأن استعمالها «المفرط» للقوة سينعكس سلبا على مساعيها السلمية... أم ان مرحلة الحديث عن «الدولة الفلسطينية» تراجعت بعد الانتصار الاميركي في افغانستان؟