إحراج فلسطيني لعرفات!

TT

تصر اسرائيل على تحميل ياسر عرفات مسؤولية العملية التي قامت بها حماس يوم الاربعاء الماضي. وتهدد هذه العملية باغلاق الفرصة الضئيلة التي وفرها هدوء من قبل الطرفين في الاسابيع الثلاثة الاخيرة. وكان الجانب الفلسطيني ـ المتمثل بالسلطة ـ شعر بالارتياح النوعي فيما انطوني زيني يغادر المنطقة مزودا بتفاؤل حذر من ان التقدم على مسار السلام ممكن، رغم انه طغت على زيارته مصادرة اسرائيل لسفينة محملة بالاسلحة، اصرت على انها مرسلة الى ياسر عرفات! الآن، عملية حماس الاخيرة ستجدد الفرصة امام الصقور في الحكومة الاسرائيلية لرد دعوة عرفات، في منتصف الشهر الماضي، لوقف اطلاق النار ووصفها بالخدعة والتكتيك، وستعود الاصوات المتشنجة المطالبة بقطع كل الاتصالات مع السلطة الفلسطينية.

لكن، مقارنة بالاحداث الدموية التي وقعت طوال الاشهر الخمسة عشر الماضية فإن الاسابيع الثلاثة الاخيرة كانت هادئة جدا، وكان باستطاعة اسرائيل، لو ارادت، اعتبار ان فترة الايام السبعة من الهدوء قد تحققت، لكن يبدو انها راهنت على ان تضعف قدرة أحد الاطراف الفلسطينية على الاحتمال فيقدم على عملية تصب في مصلحتها، وقد تحقق لها ذلك لتعود النغمة ذاتها التي يبدأ عادة في اطلاقها رانان غيسن، الناطق باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، الذي اتهم عرفات بانه فشل في تطبيق كل الالتزامات والتعهدات التي اطلقها امام الجنرال زيني من انه توصل الى اتفاق مع حماس ومع الجهاد الاسلامي. وتقول اسرائيل ان العالم يطلب منها التعامل مع عرفات بصفته زعيم الفلسطينيين، وعليه بالتالي، في نظرها، ان يتحمل مسؤولية «كل عملية» تنطلق من اراضي السلطة. ولا يأخذ غيسن احتمال ان تكون حماس اقدمت على عمليتها الاخيرة لتستدرج اسرائيل للرد وتزعزع بالتالي موقف عرفات. وكانت حماس اعلنت انها علقت عملياتها داخل اسرائيل، مع العلم ان اكثر من 20 فلسطينيا قتلوا منذ اعلن عرفات وقف اطلاق النار! موقف عرفات يشبه موقف الجنرال الباكستاني برويز مشرف. لكن في الوقت الذي تهتم واشنطن بجنوب آسيا، فإن جهودها الحقيقية في الشرق الاوسط لن تبدأ الا بعد مرور فترة زمنية من هدوء حقيقي. وكان الاحرى بحماس ان تتروى قليلا، خصوصا انه مع مرور اسبوع على تصريحات اسرائيل بأن السفينة المحملة بالاسلحة والمتفجرات موجهة الى السلطة، فإن واشنطن لم تدعم ادعاءات اسرائيل بأن عرفات شخصيا متورط بها.

وكان على حماس ان تصغي اكثر الى تصريحات زيني الذي قال: ان الطريق طويل، ومهمتي ان ابدأ في هذه الطريق، ولهذا احتاج الى الامن ومكافحة الارهاب والتنسيق الامني.

واذا اعتقدت حماس انها بالعمليات هذه قد تحرج العالم، واميركا بالذات، فالافضل ان تطلع على التقارير الخارجة من واشنطن، لانه عكس الاعتقاد السائد، او الذي تتوق الدول العربية لاظهاره، فإن الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، بنظر واشنطن ليس بذات اهمية الحرب الدائرة ضد الارهاب، وان اقصى ما تقوم به اميركا في منطقتنا هو جهد يوازي احساسها بالخطر على مصالحها، وهو جهد بسيط لأن الخطر المحدق .. قليل.

من ناحية اخرى، فإن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش غير مستعد ان يسير في التيار المعاكس للوبي اليهودي الاميركي الذي يدعم بالطبع شارون. فبوش من خلال المحيطين به، يصنف الاشخاص الى قسمين: «الجيد والسيئ»، وحتى الآن للأسف فإن عرفات في خانة «الاشخاص السيئين» الى ان تتوقف العمليات الانتحارية، اما شارون، وللاسف ايضا، فإنه في خانة «الاشخاص الجيدين»! ثم انه ليس لدى ادارة بوش خطة ابعد من تهدئة الامور، لانها تعتقد انه لا يمكن تحقيق شيء اكثر، لا مع عرفات ولا مع شارون! إن مرحلة خلط الاوراق هذه تحتاج الى زعماء وقادة يتمتعون بالحنكة والذكاء اكثر من الانفعال والرغبة في الانتقام. والوضع العربي ليس، صراحة، بذلك الوضع القوي والبعيد النظر.